ليتبيّن الفرق بين المعلوم برهانا والمعلوم عيانا.
ولقد ذهبت كلمة إبراهيم مثلا بين الناس عند التصديق بالشيء ، وطلب التأكّد من حصول الفعل ، فيطلب الشخص من غيره ما يؤكد الوعد أو القول أو الفعل قائلا : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) مع توافر الثقة والائتمان.
وطلب إبراهيم وجيه ، وبخاصة في عصرنا ، حيث كثرت الشكوك ، وسخر بعض الناس من احتمال بعث الأجساد والأرواح التي مات أصحابها في البرّ والبحر والجوّ ، على مدى مرور آلاف السنين ، وكثرة ملايين البشر من بدء الخليقة إلى يوم القيامة ، فكان هذا الطلب في محله ليخرس الألسنة ، ويطمئن الأفئدة ، ويزيل الشكوك في المعتقدات.
وهو أيضا مثال ثالث لولاية الله تعالى للمؤمنين ، وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور ، وهو كالذي قبله من آيات البعث. وكان المثال الأول : وهو محاجّة من آتاه الله الملك لإبراهيم ، للدّلالة على وجود الله ، والمثال الثاني : إماتة العزير مائة عام ، والمثال الثالث : إماتة أربعة من الطيور. والحكمة في ذكر مثال واحد في إثبات الرّبوبيّة ومثالين في إثبات البعث أن منكري البعث أكثر من منكري الألوهيّة.
وأرشد قوله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) إلى ما ينبغي للإنسان أن يقف عنده ، فلا يتعداه إلى ما ليس من شأنه. وفي هذا الإرشاد لخليل الرحمن تأديب للمؤمنين كافة ، ومنع لهم عن التّفكر في كيفية التّكوين ، وشغل نفوسهم بما استأثر الله تعالى به ، فلا يليق بهم البحث عنه.
والحكمة في اختيار الطير على غيره : أن الطّير أقرب إلى الإنسان ، وأجمع لخواص الحيوان ، ولسهولة إجراء التجربة عليها ، ولأن الطير أكثر نفورا من الإنسان في الغالب ، فإتيانها بمجرد الدعوة أبلغ في المثل.