وخلاصة القصّة : كان إبراهيم عليهالسلام محبّا للاستطلاع ، فلما أوحى الله تعالى إليه أنه سيحيي الموتى ويحشرهم يوم القيامة ، ليجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، فأحبّ أن يرى ميتا عاد حيّا ، فسأل الله ذلك ، ليطمئن قلبه ، فأمره الله تعالى أن يأخذ أربعة طيور ، فيذبحها ، ويفرّق أجزاءها على الجبال ، ثم يدعوها إليه ، وحينئذ يرى كيف يعود الميت حيّا ، ففعل ودعا الطيور إليه ، فجاءت صحيحة ، كأنها لم تمت أصلا.
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه القصة دليل آخر على إثبات قدرة الله على إحياء الموتى ، مهما تلاشت أجزاؤها ، وتفتت ذراتها ، وتطاول الزمان على موتها. ولم يكن إبراهيم عليهالسلام شاكّا في القدرة الإلهية على ذلك ، وإنما ليثبت الاعتقاد بالتجربة الحسيّة أو الخبر والمعاينة ، وهذا يشير إلى أهمية العلم التجريبي ، والاختبارات العملية ، لمعرفة كيفية تركيب الأشياء.
ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشّك ، فإنه كفر ، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث ، وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل ، فقال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الإسراء ١٧ / ٦٥] ، وقال الشيطان : إلا عبادك منهم المخلصين ، وإذا لم يكن له عليهم سلطنة ، فكيف يشككهم؟!
وإنما سأل إبراهيم عليهالسلام أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها ، وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها ، فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى علم اليقين ، فقوله : (أَرِنِي كَيْفَ) طلب مشاهدة الكيفية ، وليس اختبار القدرة الإلهية على الإحياء أو الإنشاء.
ثم إنه طلب طمأنينة القلب : وهي أن يسكن فكره في الشيء المعتقد ،