المناسبة :
بيّن الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة ما يجب أن يتصف به المنفق عند الإنفاق من الإخلاص لله ، وقصد تزكية النفس ، والبعد عن الرياء ، وما يجب أن يتحلى به بعد الإنفاق من البعد عن المن والأذى.
ثم بين تعالى هنا صفة المال المبذول : وهو أن يكون من جيد الأموال.
التفسير والبيان :
يا من اتصفتم بالإيمان آمركم أن تنفقوا الطيب الجيد من الأموال ، سواء أكان نقودا أم ماشية أم حبوبا وزروعا أم سلعا تجارية وغيرها ، كالمعادن والكنوز والركاز (دفين الجاهلية) ، كقوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران ٣ / ٩٢] وأنهاكم أن تقصدوا إلى الخبيث الرديء من أموالكم ، فتنفقونه ، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، ولا يقبل ما تكرهه نفوسكم. والخبيث ينطلق على معنيين : أحدهما ـ ما لا منفعة فيه ، كما في حديث الشيخين : «كما ينفي الكير خبث الحديد» والثاني ـ ما تنكره النفس ، وهو مقصود الآية : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ).
وكيف يروق لكم أن تتصدقوا بالخبيث الرديء ، ولا ترضون ذلك لأنفسكم إلا أن تتساهلوا وتتسامحوا فيه تساهل من غض بصره عن شيء فلم ير العيب فيه ، ولو كان لأحدكم حق أو دين ، فجاءكم دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه ، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟! فحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه.
واعملوا أن الله ـ وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها ـ فهو غني عنها وعن إنفاقكم وغني عن جميع خلقه ، وإنما يأمركم به لمنفعتكم ، ولتحقيق المساواة بين الغني والفقير ، وليختبركم فيما تنفقون ، فلا تتقربوا إليه بالرديء ، وهو أيضا