ولا تحلّ المسألة إلا لثلاث حددهم النّبي صلىاللهعليهوسلم بقوله :
«المسألة لا تحلّ إلا لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دمّ موجع» (١) ، والفقر المدقع : هو الشديد ، وهو الذي يلصق صاحبه بالدقعاء : وهي الأرض التي لا نبات فيها ، والغرم : ما يلزم أداؤه تكلّفا ؛ لا في مقابلة عوض ، كالكفالة والنفقة لإصلاح ذات البين ونحوه من أعمال البرّ ، كدفع مظلمة وحفظ مصلحة ، والمفظع : الشديد ، فلمن تحمل ذلك أن يسأل الإعانة على سداد ما غرم ، وأما ذو الدّم الموجع : فهو الذي يتحمل الدّية عن الجاني من قريب أو نسيب أو صديق لئلا يقتل ، فيتوجع لقتله.
والإلحاح في المسألة مع الغنى عنها حرام لا يحل ، أخرج مسلم عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من سأل الناس أموالهم تكثّرا ، فإنما يسأل جمرا ، فليستقلّ أو ليستكثر» ، وأخرج أيضا عن ابن عمر أنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تزال المسألة بأحدكم ، حتى يلقى الله ، وليس في وجهه مزعة (٢) لحم» ، وروى أحمد وأبو داود وابن حبان عن سهل ابن الحنظلية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من سأل وعنده ما يغنيه ، فإنما يستكثر من جمر جهنم ، قالوا : يا رسول الله ، وما يغنيه؟ قال : ما يغديه أو يعشيه».
أما إذا كان السائل محتاجا فلا بأس أن يكرّر المسألة ثلاثا إعذارا وإنذارا ، والأفضل تركه. فإن كان المسؤول يعلم بذلك ، وهو قادر على ما سئله ، وجب عليه الإعطاء ، وإن كان جاهلا به ، فيعطيه مخافة أن يكون صادقا في سؤاله ،
__________________
(١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أنس بن مالك رضياللهعنه.
(٢) المزعة : القطعة ، قال القاضي عياض : قيل : معناه يأتي يوم القيامة ذليلا ساقطا لا وجه له عند الله. وقيل : هو على ظاهره ، فيحشر ووجهه عظم لا لحم عليه ، عقوبة له ، حين سأل بوجهه.