فالنعمة الأولى التي يذكّر الله بها المسلمين يوم بدر : إمدادهم بالملائكة ، ثم ذكّرهم بنعمتين أخريين هما إلقاء النعاس وإنزال المطر ، فقال : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ ..) أي اذكروا ما أنعم الله عليكم من إلقاء النعاس عليكم حتى غشيكم كالغطاء ، أمانا أمّنهم به من خوفهم الذي حصل لهم من رؤية كثرة عدوهم وقلة عددهم ، وأراحهم من عناء السير ، فمن غلب عليه النعاس لا يشعر بالخوف ، ويرتاح ويجدد نشاطه وقوته ، روى البيهقي في الدلائل عن علي رضياللهعنه قال : «ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلي تحت شجرة ، حتى أصبح».
وكان هذا النعاس في الليلة التي كان القتال من غدها ، فكان النوم للجمع العظيم في الخوف الشديد دفعة واحدة عجيبا وفي حكم المعجز الخارق للعادة ، مع ما كان بين أيديهم من الأمر المهمّ ، ولكن الله ربط جأشهم.
قال الماوردي : وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان :
أحدهما ـ أن قوّاهم بالاستراحة على القتال من الغد.
الثاني ـ أن أمّنهم بزوال الرعب من قلوبهم ؛ كما يقال : الأمن منيم ، والخوف مسهر.
وكذلك فعل الله تعالى بهم فألقى النعاس عليهم يوم أحد ، كما قال تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً ، يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ ، وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [آل عمران ٣ / ١٥٤].
وأنزل الله عليكم أيضا مطرا من السماء ليطهركم به من الحدث والجنابة ، ويذهب عنكم وسوسة الشيطان إليكم وتخويفكم من العطش ، وقيل : يذهب عنكم الجنابة التي أصابت بعضكم ؛ لأنها من تخييله ، (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) ، أي بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء ، وهو شجاعة الباطن ، و (يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) ، وهو