فكنت فيمن حاص ـ أي هرب ـ ، فقلنا : كيف نصنع ، وقد فررنا من الزحف ، وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا : لو دخلنا المدينة ، ثم بتنا ، ثم قلنا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا ، فأتيناه قبل صلاة الغداة ، فخرج فقال : «من القوم؟» فقلنا : نحن الفرارون ، فقال : «لا ، بل أنتم العكّارون ـ الكرارون العطافون ـ أنا فئتكم ، وأنا فئة المسلمين».
وكذلك قال عمر بن الخطاب رضياللهعنه ـ فيما رواه محمد بن سيرين ـ في أبي عبيدة ، لما قتل على الجسر ، بأرض فارس ، لكثرة الجيش ، من ناحية المجوس ، فقال عمر : لو تحيّز إليّ لكنت له فئة» وقال مجاهد : قال عمر : «أنا فئة كل مسلم».
لكن وإن جاز الانهزام ، فالصبر أحسن ، بدليل أن جيش مؤتة ، وهم ثلاثة آلاف ، وقف في مقابلة مائتي ألف ، منهم مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة من لخم وجذام.
ووقع في تاريخ الأندلس : أن طارقا مولى موسى بن نصير سار في ألف وسبعمائة رجل إلى الأندلس ، وذلك في رجب سنة ثلاث وتسعين من الهجرة ؛ فالتقى وملك الأندلس : لذريق ، وكان في سبعين ألف عنان ـ فرس ـ فزحف إليه طارق ، وصبر له ، فهزم الله الطاغية لذريق ، وكان الفتح.
قال ابن وهب : سمعت مالكا يسأل عن القوم يلقون العدو ، أو يكونون في محرس يحرسون ، فيأتيهم العدو وهم يسير ، أيقاتلون أو ينصرفون ، فيؤذنون أصحابهم؟ قال : إن كانوا يقوون على قتالهم قاتلوهم ، وإلا انصرفوا إلى أصحابهم فآذنوهم.
وحكم الفرار من الزحف ليس مختصا بمن كان انهزم يوم بدر ، كما يرى بعض الصحابة والتابعين (أبي سعيد الخدري ، والحسن البصري وقتادة والضحاك) وإنما