والمعنى : أيها المؤمنون ، أجيبوا دعوة الله ، ودعوة الرسول إذا دعاكم لما يحييكم حياة طيبة أبدية مشتملة على سعادة الدنيا والآخرة ، وفيها صلاحكم وخيركم ، وفيها كل حق وصواب ، وذلك شامل القرآن والإيمان والجهاد وكل أعمال البر والطاعة. والمراد من قوله : (لِما يُحْيِيكُمْ) الحياة الطيبة الدائمة ، قال تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل ١٦ / ٩٧]. وقال البخاري : (اسْتَجِيبُوا) : أجيبوا ، (لِما يُحْيِيكُمْ) : لما يصلحكم.
وأكثر الفقهاء على أن ظاهر الأمر للوجوب ، فالأمر هنا للوجوب حتى يكون له معنى وفائدة ، صونا للنص عن التعطيل ، ولأن قوله بعدئذ : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) جار مجرى التهديد والوعيد ، وهو لا يليق إلا بالإيجاب.
فيجب بناء عليه امتثال ما أمر به الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بجد وعزم ونشاط من أمور الدين عبادة وعقيدة ومعاملة. أما أمور العادات كاللباس والطعام والشرب والنوم ، فليست من الدين الواجب الاقتداء به.
ومن أعرض عما أمر النبي به من الإيمان والقرآن والهدى والجهاد ، فهو ميت لا حياة طيبة أو روحية فيه ، كما قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ، وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) [الأنعام ٦ / ١٢٢].
ومعنى قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) : بادروا إلى الاستجابة قبل ألا تتمكنوا منها بزوال العقل. والقلب : موضع الفكر. قال مجاهد في الآية : (يَحُولُ ...) أي حتى يتركه لا يعقل ، والمعنى : يحول بين المرء وعقله ، حتى لا يدري ما يصنع. وفي التنزيل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق ٥٠ / ٣٧] أي عقل.