وقيل : يحول بينه وبين قلبه الموت ، فلا يمكنه استدراك ما فات ، قال في الكشاف : يعني أنه يميته فتفوته الفرصة. وقيل : المعنى يقلب الأمور من حال إلى حال ، قال القرطبي : وهذا جامع. روى الإمام أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك رضياللهعنه قال : كان النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم يكثر أن يقول : «يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك» فقلنا : يا رسول الله ، آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا؟ قال : «نعم ، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها».
واختيار الطبري : أن يكون ذلك إخبارا من الله عزوجل بأنه أملك لقلوب العباد منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئة الله عزوجل.
وأرى أن اختيار الطبري والقرطبي في تفسير الآية أسلم الآراء ، ومعناها أن الله مهيمن على قلب الإنسان وفكره وإرادته ، يقلب الأمور بيده كيف شاء من حال إلى حال ، وهو المتصرف في جميع الأشياء ، يصرف القلوب بما لا يقدر عليه صاحبها ، ويغير اتجاهاته ومقاصده ونياته وعزائمه حسبما يشاء. والمقصود من الآية الحث على الطاعة قبل وجود الموانع من مرض وموت مثلا.
وفسر بعضهم الآية بحسب الاختلاف في الجبر والقدر ، فالقائلون بالجبر : يرون أن الله يحول بين المرء الكافر وطاعته ، ويحول بين المرء المطيع ومعصيته ، فالسعيد من أسعده الله ، والشقي من أضلّه الله. وكان فعل الله تعالى ذلك عدلا فيمن أضله وخذله ، إذ لم يمنعهم حقا وجب عليه ، فتزول صفة العدل حينئذ ، وإنما منعهم ما كان له أن يتفضل به عليهم ، لا ما وجب لهم.
وقال الجبائي من المعتزلة : إن من حال الله بينه وبين الإيمان ، فهو عاجز ، وأمر العاجز سفه ، ولو جاز ذلك لجاز أن يأمرنا الله بصعود السماء ، وقد أجمعوا