على أن المريض الزّمن لا يؤمر بالصلاة قائما ، فكيف يجوز ذلك على الله تعالى؟ وقد قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة ٢ / ٢٨٦] (١).
ومما يدل على أن المقصود من الآية الحث على الطاعة قبل فوات الأوان والفرصة ما ختمت به ، وهو قوله : (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي أسرعوا في العمل وأعدوا العدة ليوم الحشر ، فإنكم إلى الله مرجعكم ومصيركم ، فيجازيكم بأعمالكم.
وبعد أن حذر الله تعالى الإنسان أن يحال بينه وبين قلبه ، حذره من الفتن ، فقال : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً ...) أي احذروا الوقوع في الفتنة وهي الاختبار والمحنة التي يعمّ فيها البلاء المسيء وغيره ، ولا يخص بها أهل المعاصي ، ولا من ارتكب الذنب ، بل يعمهما ، حيث لم تدفع وترفع. وبعبارة أخرى : واحذروا فتنة ، إن نزلت بكم ، لم تقتصر على الظالمين خاصة ، بل تتعدى إليكم جميعا ، وتصل إلى الصالح والطالح.
وكانت فتنة عثمان أول الفتن التي ما زال أثرها قائما في التاريخ ، وكانت سببا في اقتتال المسلمين في وقعة الجمل وصفين ومقتل الحسين وغيرها ، وفي ظهور البدع والمنكرات ، واستمرت الفتن بين المسلمين ، وأخذت أشكالا متعددة ، من قومية ، وتفرق في الدين ، وانقسام إلى أحزاب دينية ، وأحزاب سياسية.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ، أي أنه تعالى شديد العذاب في الدنيا والآخرة لمن عصاه من الأمم والأفراد ، وخالف هدي دينه وشرعه.
وهذا التحذير عام يعمّ الصحابة وغيرهم ، وإن كان الخطاب لهم أولا.
ومقتضى التحذير منع ما يؤدي إلى العذاب العام ، والعمل على إزالته ورفعه إذا وقع ، كإهمال الجهاد ، وشيوع المنكر ، وافتراق الكلمة ، والالتواء في الأمر
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٥ / ١٤٧ ـ ١٤٨.