وما كان الله ليعذبهم عذاب الاستئصال في الدّنيا الذي عذّب بمثله بعض الأمم السّالفة ، وهم يستغفرون. ومن هم المستغفرون؟ قال ابن عباس : هم الكفار ، كانوا يقولون في الطّواف : غفرانك. والاستغفار ، وإن وقع من الفجّار يدفع به ضروب من الشّرور والإضرار. وقيل : إن الاستغفار راجع إلى المسلمين المستضعفين الذين هم بين أظهرهم ، أي وما كان الله معذبهم ، وفيهم من يستغفر من المسلمين ، فلما خرجوا عذّبهم الله يوم بدر وغيره.
وقيل : إن الاستغفار هنا يزاد به الإسلام ، أي وهم يسلمون ، أي يسلم بعضهم إثر بعض ، أو يكون لهم أولاد يؤمنون بالله ويستغفرونه.
وبعد أن نفى الله عنهم عذاب الاستئصال في الدّنيا ، أثبت احتمالا آخر ، وهو إمكان تعذيبهم بعذاب دون عذاب الاستئصال عند وجود المقتضي وزوال المانع ، فقال : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ...) أي ولم لا يعذّبهم الله بعذاب آخر ، وأي شيء يمنع من إنزال عذاب أخف من ذلك العذاب؟ بسبب أنهم يمنعون الناس عن المسجد الحرام ولو لأداء النّسك؟ فقد كانوا يمنعون المسلم من دخول المسجد الحرام ، وأخرجوا النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وصحبه من المسجد الحرام. فهم أهل لأن يعذّبهم الله ، ولكن لم يوقع ذلك بهم ؛ لبركة مقام الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بين أظهرهم.
فمن كانت هذه حالته لم يكن وليّا للمسجد الحرام ، فهم أهل للقتل بالسّيف والمحاربة ، فقتلهم الله وعذّبهم يوم بدر ، حيث قتل رؤوس الكفر كأبي جهل وأسر سراتهم ، وأعزّ الإسلام بذلك.
(وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) أي ولاة أمره وأربابه ، فإنهم كانوا يقولون : نحن أولياء البيت الحرام ، نصدّ من نشاء ، وندخل من نشاء ، فردّ الله عليهم بقوله : وما كانوا مستحقّين للولاية والإشراف عليه ، مع شركهم وعداوتهم للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وما أولياؤه وحماته إلا المتّقون من المسلمين ، فليس كلّ مسلم أيضا ممن يصلح