هو أُخِذَ بخطمه (١) فقال له صاحبه انْظِرْهُ واستيقظ الرجل فقرأ الآية فقال الشيطان لصاحبه أرغم الله أنفك احرسه الآن حتّى يصبح فلما أصبح رجع إلى أمير المؤمنين فأخبره وقال له رأيت في كلامك الشفاء والصدق ومضى بعد طلوع الشمس فإذا هو بأثر شعر الشيطان مجتمعاً في الأرض الحديث.
(٥٧) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً جمع نشور بمعنى ناشر وقرء بالتخفيف وبفتح النون وبالباء مخففة جمع بشير بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قدام رحمته يعني المطر فإن الصبا (٢) تثير السحاب والشمال تجمعَهُ والجنوب يجلبه والدبور يفرقه حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ حملت سَحاباً سحائب ثِقالاً بالماء سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ لإحيائه وقرء بتخفيف الياء فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ من كل أنواعها كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى نحييهم ونخرجهم من الأجداث لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتعلمون أن من قدر على ذلك قدر على هذا.
(٥٨) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ الأرض الكريمة التّربة يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ بأمره وتيسّره عبّر به عن كثرة النبات وحسنه وغزارة (٣) نفعه بقرينة المقابلة وَالَّذِي خَبُثَ كالحرة (٤) والسبخة (٥) لا يَخْرُجُ نباته إِلَّا نَكِداً قليلاً عديم النفع كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ نرددها ونكررها لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله فيتفكرون فيها ويعتبرون بها ، قيل الْآيَةَ مثل لمن تدبر الآيات وانتفع بها ولمن لم يرفع إليها رأساً ولم يتأثر بها.
والقمّيّ مثل للأئمة يخرج علمهم بإذن ربّهم ولأعدائهم لا يخرج علمهم الا كدراً
__________________
(١) الخطم من كلّ دابة مقدّم أنفه وفمه ومن كل طاير منقاره.
(٢) الصّبا كعصا ريح تهبّ من مطلع الشمس وهي أحد الأرياح الأربعة وقيل الصّبا الّتي من ظهرك إذا استقبلت القبلة والدّبور عكسها والعَرَب تزعم أنّ الدّبور تزعج السحاب وتشخصه في الهواء ثمّ تسوقه فإذا علا كشف عنه واستقبلته الصّبا فوزّعت بعضه على بعض حتّى يصير كسفاً واحداً والجنوب تلحق روادفه وتمدّه والشّمال تزقّ السّحاب وعن بعض أهل التّحقيق الصّبا محلّها ما بين مطلع الشمس والجدى في الاعتدال والشمال محلها من الجدى الى مغرب الشمس في الاعتدال والدّبور من سهيل الى المغرب والجنوب من مطلع الشمس إليه.
(٣) غزر الماء بالضّمّ غزاراً غُزارة كثر فهو غزير أي كثير.
(٤) الحرّة أرض ذات حجارة سود نخرة كأنّها أحرقت بالنّار والجمع الحِرار والحرّات.
(٥) السّبخة بالفتح واحدة السّباخ وهي ارض مالحة يعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلّا بعض الأشجار.