منه وكان سبب ذلك أنَّ الصيّافة (١) كانوا يقدمون المدينة من الشام معهم الدرموك (٢) والطعام وهم الأنباط (٣) فأشاعوا بالمدينة أنّ الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم في عسكر عظيم وأنّ هرقل قد سار في جنوده وجلب معهم غسان (٤) وجذام (٥) وبهراء وعاملة وقد قدم عساكره البلقاء ونزل هو حمص.
فأمر رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم أصحابه بالتهيّؤ إلى تبوك وهي من بلاد البلقاءِ وبعث إلى القبائل حوله وإلى مكّة وإلى من أسلم من خزاعة ومزينة وجهينة وحثّهم على الجهاد وأمر رسول الله بعسكره فضرب في ثنية الوداع وأمر أهل الجِدة أن يعينوا من لا قوّة به ومن كان عنده شيء أخرجه وحمّلوا وقوّوا وحثّوا على ذلك ثمّ خطب خطبة ورغّب الناس في الجهاد قال وقدمت القبائل من العَرَبِ ممّن استنفرهم وقعد عنه قوم من المنافقين وغيرهم.
أقول : وسنذكر بقايا هذه القصّة متفرّقة عند تفسير الآيات الآتية إلى آخر السورة أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا وغرورها مِنَ الْآخِرَةِ بدل الآخرة ونعيمها فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ في جنب الآخِرة إِلَّا قَلِيلٌ مستحقر.
(٣٩) إِلَّا تَنْفِرُوا الى ما استنفرتم إليه يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (٦) وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ خيراً منكم وأطوع وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً إذ لا يقدح تثاقلكم في نصرة دينه شيئاً فانّه الغنّي عن كلِّ شَيءٍ وعن كل أمر أو وَلا تَضُرُّوهُ النّبيّ شَيْئاً لأنّ الله وعده أن ينصره ويعصمه من النّاس ووعد الله كائن لا محالة وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على التبديل وتغيير الأسباب والنّصرة بلا عدد.
__________________
(١) أصاف القوم إذا دخلوا في الصّيف وصائفة القوم مسيرتهم في الصّيف.
(٢) الدّرمك كجعفر دقيق الحوارى ق الحوّارى الدقيق الأبيض وهو الباب الدّقيق وكل ما حوّاري بُيّض من طعام ق.
(٣) نبط جبل ينزلون بالبطايح بين العراق ق ..
(٤) غسّان كشدّاد ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه منهم بنو جفنة رهط الملوك أو غسّان اسم القبيلة ق ..
(٥) جذام كغراب قبيلة بجبال صمى من معد ق ..
(٦) مؤلماً في الآخرة وقيل في الدّنيا م ن ..