ولقد كنت أشرت برأي العلماءِ والحكماءِ وقال له تنوخا أما إنّي لم أزل أرى انّي أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي حتّى استبان فضلك لفضل علمك وما أعطاك ربّك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ومضى يونس على وجهه مغاضباً لربّه فكان من قصته ما أخبره الله به في كتابه فآمنوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ قال أبو عبيدة قلت لأبي جعفر عليه السلام كم كان غاب يونس عن قومه حتّى رجع إليهم بالنبوّة والرّسالة فآمنوا به وصدّقوه قال أربعة أسابيع سبعاً منها في ذهابه إلى البحر وسبعاً في بطن الحوت وسبعاً تحت الشّجرة بالعراءِ وسبعاً منها في رجوعه إلى قومه فقلت له ما هذه الأسابيع شهور أو أيّام أو ساعات فقال يا أبا عبيدة إنّ العذاب أتاهم يوم الأربعاء في النِّصفِ من شوّال وصرف عنهم من يومهم ذلك فانطلق يونس مغاضباً فمضى يوم الخميس سبعة أيّام في مسيره إلى البحر وسبعة أيّام في بطن الحوت وسبعة أيّام تحت الشّجرة بالعراءِ وسبعة أيّام في رجوعه إلى قومه فكان ذهابه ورجوعه ثمانية وعشرين يوماً ثمّ أتاهم فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه فلذلك قال الله فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ.
وعنه عليه السلام : أنّ يونس لمّا أذاه قومه دعا الله عليهم فأصبحُوا أوّل يوم ووجوههم صفر وأصبحوا اليوم الثاني ووجوههم سود قال وكان الله واعدهم أن يأتيهم العذابَ حتّى نالوه برماحهم ففّرقوا بين النساء وأولادهنّ والبقر وأولادها ولبسُوا المسُوح والصّوف ووضعوا الحبال في أعناقهم والرماد على رؤوسهم وضجّوا ضجّة واحدة إلى ربهم وقالوا آمنّا باله يونس فصرف الله عنهم العذاب وأصبح يونس وهو يظنّ أنّهم هلكوا فوجدهم في عافية.
وفي العِلل عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل لأيّ علة صرف الله العذاب عن قوم يونس وقد أظلّهم ولم يفعل كذلك بغيرهم من الأممِ قال لأنّه كان في علم الله أنّه سيصرف عنهم لتوبتهم وانّما ترك أخبار يونس بذلك لأنّه عزّ وجلّ أراد أن يفرغه لعبادته في بطن الحوت فيستوجب بذلك ثوابه وكرامته.