بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام ثمّ قال النجاشيّ يا جعفر هل تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئاً قال نعم فقرأ عليه سورة مريم عليها السلام فلما بلغ قوله وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً.
فلما سمع النجاشيّ بهذا بكى بكاءً شديداً وقال : هذا والله هُو الحق فقال عمرو بن العاص أيها الملك إنّ هذا مخالف لنا فردّه إلينا فرفع النجاشيّ يده فضرب بها وجه عمرو ثمّ قال اسكت والله لأن ذكرته بسُوءِ لأفقدنّك نفسك فقام عمرو بن العاص من عنده والدماء تسيل على وجهه وهو يقول إن كان هذا كما تقول أيّها الملك فانّا لا نتعرّض له وكانت على رأس النجاشيّ وصيفةً (١) له تذب (٢) عنه فنظرت إلى عمارة بن الوليد وكان فتىً جميلاً فأحبّته فلما رجع عمرو بن العاص الى منزله قال لعمارة لو راسلت جارية الملك فراسلها فأجابته فقال عمرو قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئاً فقال لها فبعثت اليه فأخذ عمرو من ذلك الطّيب وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حين ألقاه في البحر فأدخل الطّيب على النجاشيّ فقال : أيها الملك إن حرمة الملك عندنا وطاعته علينا وما يلزمنا إذا دخلنا بلاده ونأمن فيه ان لا نغشه ولا نريبه وان صاحبي هذا الذي معي قد راسَل حرمتك وخدعها وبعثت إليه من طيبك ثمّ وضع الطّيب بين يديه فغضب النجاشيّ وهم بقتل عمارة ثمّ قال لا يجوز قتله فإنهم دخلوا في بلادي بأمان فدعا النجاشيّ السّحرة فقال لهم اعملوا به شيئاً أشدّ به من القتل فأخذوه ونفخوا في إحليله الزيبق فصار مع الوحش يغدو ويروح وكان لا يأنس بالناس.
فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتّى ورد الماء مع الوحش فأخذوه فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتّى مات ورجع عمرو الى قريش فأخبرهم أن جعفراً في أرض الحبشة في أكرم كرامة ولم يزل بها حتّى هادن رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم قريشاً وصالحهم وفتح خيبر فوافى بجميع من معه وولد لجعفر بالحبشة من أسماء بنت عميس عبد الله بن جعفر وولد للنجاشيّ ابن فسماه النجاشيّ محمّداً وكانت أم حبيب
__________________
(١) الوصيف كأمير الخادم والخادمة ج وصفاء كالوصيفة ج وصائف.
(٢) تطرد الذّباب عنه.