أفعال له. فهو تعالى فاعل قريب لكلّ فعل ولفاعله ، وأمّا الاستقلال المتراءى من كلّ علّة إمكانيّة بالنسبة إلى معلولها فهو الاستقلال الواجبيّ (١) الّذي لا استقلال دونه بالحقيقة.
ولا منافاة بين كونه تعالى فاعلا قريبا ـ كما يفيده هذا البرهان ـ وبين كونه فاعلا بعيدا ـ كما يفيده البرهان السابق المبنيّ على ترتّب العلل وكون علّة علّة الشيء علّة لذلك الشيء ـ فإنّ لزوم البعد مقتضى اعتبار النفسيّة لوجود ماهيّات العلل والمعلولات على ما يفيده النظر البدويّ ، والقرب هو الّذي يفيده النظر الدقيق. ومن الواضح أن لا تدافع بين استناد الفعل إلى الفاعل الواجب بالذات والفاعل الّذي هو موضوعه كالإنسان ـ مثلا ـ فإنّ الفاعليّة طوليّة لا عرضيّة (٢).
__________________
ـ اللهمّ إلّا أن يصحّح بأن يقال : إنّ المراد أنّ هذه الروابط تستقلّ بها بالنسبة إلى معلولاتها ، كما يصرّح بذلك في السطر الآتي.
(١) أي : هو الاستقلال النسبيّ الحاصل من الواجب تعالى الّذي لا استقلال دونه بالحقيقة. وبتعبير آخر : وأمّا القوام الّذي يتراءى لكلّ علّة إمكانيّة بالنسبة إلى معلولها المتقوّم بها فهو القوام المتقوّم بقوام الواجب تعالى الّذي لا قوام لغيره بالحقيقة.
(٢) وجدير بالذكر ما علّق المصنّف رحمهالله على الأسفار في بيان الفرق بين البرهانين.
قال ـ تعليقا على البرهان الثاني المنسوب إلى الراسخين في العلم ـ ما لفظه : «الفرق بينه وبين سابقه أنّ في المذهب السابق سلوكا من طريق الكثرة في الوحدة ، وفيه سلوك من طريق الوحدة في الكثرة.
فعلى الأوّل للفعل استناد إلى فاعله القريب وإلى فاعل فاعله بواسطته ومن طريقه ، والانتساب طوليّ لا عرضيّ ، فلا تبطل إحدى النسبتين الاخرى. ولا يلزم الجبر الباطل ، لأنّ العلّة الاولى إنّما تريد صدور الفعل الاختياريّ عن اختيار المختار ، فلا يقع إلّا اختيارا ، ولا يريد الفعل في نفسه ومن غير واسطة حتّى يبطل به اختيار فاعله وتسقط ارادته.
وعلى الثاني للفعل استناد إليه ـ تعالى ـ من غير واسطة من جهة إحاطته به في مقامه ، كما أنّ له استنادا إلى فاعله الممكن. ولا يلزم جبر ، لأنّ إحاطته تعالى بكلّ شيء إحاطة بما هو عليه. والفعل الاختياريّ في نفسه اختياريّ ، فهو المحاط المنسوب إليه تعالى وإلى العبد. هذا ، وقد ظهر بذلك أنّ المذهبين غير متدافعين». راجع تعليقته على الأسفار ٦ : ٣٧٢.