بالحركة لا حركة في العلم ، وعلم بالتغيّر لا تغيّر في العلم.
وعالم المادّة لا يخلو ما فيه (١) من الموجودات من تعلّق ما بالمادّة ، وتستوعبه الحركة والتغيّر ، جوهريّة كانت أو عرضيّة.
وإذ كان الوجود بحقيقته الأصيلة حقيقة مشكّكة ذات مراتب مختلفة في الشدّة والضعف والشرف والخسّة ، تتقوّم كلّ مرتبة منها بما فوقها ، وتتوقّف عليه (٢) بهويّتها ، يستنتج من ذلك :
أوّلا : أنّ العوالم الثلاثة مترتّبة وجودا بالسبق واللحوق ، فعالم العقل قبل عالم المثال ، وعالم المثال قبل عالم المادّة وجودا ، وذلك لأنّ الفعليّة المحضة ـ الّتي لا تشوبها قوّه ولا يخالطها استعداد ـ أقوى وأشدّ وجودا ممّا هو بالقوّة محضا ، كالهيولى الاولى ، أو تشوبه القوّة ويخالطه الاستعداد ، كالطبائع المادّيّة ، فعالما العقل والمثال يسبقان عالم المادّة.
ثمّ العقل المفارق أقلّ حدودا وأوسع وجودا وأبسط ذاتا من المثال الّذي تصاحبه آثار المادّة وإن خلا عن المادّة. ومن المعلوم أنّ الوجود كلّما كان أقلّ حدودا وأوسع وأبسط كانت مرتبته من حقيقة الوجود المشكّكة أقدم وأسبق وجودا من عالم المثال.
وثانيا : أنّ الترتيب المذكور بين العوالم الثلاثة ترتيب علّيّ ، لمكان السبق والتوقّف الّذي بينها ، فعالم العقل علّة لعالم المثال ، وعالم المثال علّة مفيضة لعالم المادّة.
وثالثا : أنّ العوالم الثلاثة متطابقة متوافقة نظاما بما يليق بكلّ منها وجودا.
وذلك لما تقدّم (٣) أنّ كلّ علّة مشتملة على كمال معلولها بنحو أعلى وأشرف. ففي
__________________
(١) وفي النسخ : «ما فيها» والصحيح ما أثبتناه.
(٢) وفي النسخ : «عليها» والصحيح ما أثبتناه.
(٣) في الفصل السادس والفصل التاسع من هذه المرحلة.