(بُكْمٌ) لا ينطقون بالحق ، خابطون في ظلمات الكفر ، فهم غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه ، ثم قال إيذاناً بأنهم من أهل الطبع (١) (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) أى يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به ، (٢) لأنه ليس من أهل اللطف (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أى يلطف به لأنّ اللطف يجدى عليه.
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ)(٤١)
(أَرَأَيْتَكُمْ) أخبرونى. والضمير الثاني لا محل له من الإعراب ، لأنك تقول : أرأيتك زيداً ما شأنه ، فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول : أرأيت نفسك زيدا ما شأنه؟ وهو خلف من القول ومتعلق الاستخبار محذوف ، تقديره : إن أتاكم عذاب انّه (٣) (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) من تدعون. ثم بكتهم بقوله (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ ، أم تدعون الله دونها (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ) أى ما تدعونه إلى كشفه (إِنْ شاءَ) إن أراد أن يتفضل عليكم ولم يكن مفسدة (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) وتتركون آلهتكم ، (٤) أو لا تذكرونها في ذلك الوقت ، لأنّ أذهانكم في ذلك الوقت مغمورة بذكر ربكم وحده ، إذ هو القادر على كشف الضر دون غيره. ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) (٥) كأنه قيل :
__________________
(١) قوله «إيذانا بأنهم من أهل الطبع» أى الختم على القلوب. وقوله «أى يخذله ... الخ» فسر الإضلال بذلك ، لأنه تعالى لا يخلق الشر عند المعتزلة ، أما عند أهل السنة فيخلق الشر كالخير ، فالاضلال على ظاهره عندهم بمعنى خلق الضلال في القلب. (ع)
(٢) قال محمود : «معنى يضلله يخذله ولم يلطف به ... الخ» قال أحمد : وهذا من تحريفاته للهداية والضلالة اتباعا لمعتقده الفاسد في أن الله تعالى لا يخلق الهدى ولا الضلال ، وأنهما من جملة مخلوقات العباد. وكم تخرق عليه هذه العقيدة فيروم أن يرقعها ، وقد اتسع الخرق على الراقع ، والله الموفق.
(٣) قال محمود : «متعلق الاستخبار محذوف تقديره ... الخ» قال أحمد : هو لا يدع أن يحجر واسعا فيوجب على الله رعاية المصالح بناء على القاعدة الفاسدة من مراعاة الصلاح والأصلح.
(٤) عاد كلامه. قال : «وتنسون ما تشركون : أى وتتركون آلهتكم ... الخ» قال أحمد : وإنما يلقى الاختصاص حيث يقول : معناه أتخصون آلهتكم ، ثم قال : بل تخصون الله بالدعاء من حيث تقدم المفعول على الفعل في قوله (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) وقوله (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) وتقديم المفعول عنده يفيد الاختصاص والحصر. وقوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) في قوة قولك : لا نعبد إلا إياك. وقد مضى الكلام عليه.
(٥) عاد كلامه. قال : «ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله أغير الله تدعون ... الخ» قال أحمد : ولقد سدد ـ