رضى الله عنهما : هي منسوخة بقوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ). (ذلِكَ) أى ذلك الأمر ، يعنى الأمر بالإجارة في قوله (فَأَجِرْهُ). بسبب (بِأَنَّهُمْ) قوم جهلة (لا يَعْلَمُونَ) ما الإسلام وما حقيقة ما تدعو إليه ، فلا بدّ من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق.
(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ)(٨)
(كَيْفَ) استفهام في معنى الاستنكار والاستبعاد ، لأن يكون للمشركين عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أضداد وغرة صدورهم (١) ، يعنى : محال أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا في ذلك ولا تحدثوا به نفوسكم ولا تفكروا في قتلهم. ثم استدرك ذلك بقوله (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) أى ولكن الذين عاهدتم منهم (عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ولم يظهر منهم نكث كبني كنانة وبنى ضمرة ، فتربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) على العهد (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) على مثله (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) يعنى أن التربص بهم من أعمال المتقين (كَيْفَ) تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد (٢) ، وحذف الفعل لكونه معلوماً كما قال :
وَخَبَّرْتُمَانِى أَنَّمَا الْمَوْتُ بِالْقُرَى |
|
فَكَيْفَ وَهَاتَا هَضْبَة وَقَليبُ (٣) |
يريد : فكيف مات ، أى : كيف يكون لهم عهد (وَ) حالهم أنهم (إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) بعد
__________________
(١) قوله «وغرة صدورهم» أى ملتهبة من الغيظ. (ع)
(٢) قال محمود : «كيف تكرار لاستبعاد ثبات ... الخ» قال أحمد السر في تكرار كيف ـ والله أعلم ـ أنه لما ذكره أولا لاستبعاد ثبات عهدهم عند الله ولم يذكر إذ ذاك سبب البعد للغاية باستثناء الباقين على العهد وطال الكلام ، أعيدت «كيف» تطرية للذكر ، وليأخذ بعض الكلام بحجزة بعض ، فلم يقصد مجرد التكرار ، بل هذا السر الذي انطوى عليه ، وقد تقدمت له أمثال ، والله الموفق.
(٣) لعمر أبى إن البعيد الذي مضى |
|
وإن الذي يأتى غداً لقريب |
وخبرتمانى أنما الموت بالقرى |
|
فكيف وهاتا هضبة وقليب |
لكعب الغنوي في مرثية أخيه. و «الهضبة» الصخرة العظيمة. وجعل الخطاب لاثنين على عادة العرب ولو لم يوجدا. وإنما بالكسر على الحكاية ، أو بالفتح على المفعولية : أى وأخبرتمانى أن الموت والوباء في القرى فقط ، فكيف تدعيان ذلك وقد مات أخى في هذه البرية. أو كيف مات أخى فيها. والقليب : البئر لأنه قلب ترابه من بطن الأرض إلى ظهرها. وهاتا : إشارة للبرية. ويجوز أنها للهضبة : أى وهذا قليب.