(أَلا تُقاتِلُونَ) دخلت الهمزة على (لا تُقاتِلُونَ) تقريراً بانتفاء المقاتلة. ومعناه : الحض عليها على سبيل المبالغة (نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) التي حلفوها في المعاهدة (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) من مكة حين تشاوروا في أمره بدار الندوة ، حتى أذن الله تعالى له في الهجرة ، فخرج بنفسه (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أى : وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم أولا بالكتاب المنير وتحداهم به ، فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال فهم البادءون بالقتال والبادئ أظلم ، فما يمنعكم من أن تقاتلوهم بمثله ، وأن تصدموهم بالشر كما صدموكم؟ وبخهم بترك مقاتلتهم وحضهم عليها ، ثم وصفهم بما يوجب الحض عليها. ويقرر أن من كان في مثل صفاتهم من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب ، حقيق بأن لا تترك مصادمته ، وأن يوبخ من فرط فيها (أَتَخْشَوْنَهُمْ) تقرير بالخشية منهم وتوبيخ عليها (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) فتقاتلوا أعداءه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعنى أن قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ، ولا يبالى بمن سواه ، كقوله تعالى (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ)
(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٥)
لما وبخهم الله على ترك القتال ، جرّد لهم الأمر به فقال (قاتِلُوهُمْ) ووعدهم ـ ليثبت قلوبهم ويصحح نياتهم ـ أنه يعذبهم بأيديهم قتلا ، ويخزيهم أسراً ، ويوليهم النصر والغلبة عليهم (وَيَشْفِ صُدُورَ) طائفة (١) من المؤمنين ، وهم خزاعة ، قال ابن عباس رضى الله عنه : هم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا ، فلقوا من أهلها أذى شديداً ، فيعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه ، فقال : أبشروا فإن الفرج قريب (وَيُذْهِبْ غَيْظَ) قلوبكم (٢) لما لقيتم منهم من المكروه ، وقد حصل الله لهم هذه المواعيد كلها ، فكان ذلك دليلا على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة نبوّته (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) ابتداء كلام ، وإخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره ، وكان ذلك أيضا ، فقد أسلم ناس منهم وحسن إسلامهم. وقرئ :
__________________
(١) قوله «ويشف صدور طائفة» هذا لفظ التلاوة ، والأنسب ويشفى ، عطفاً على (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) لأنه من جملة الوعد. (ع)
(٢) قوله «ويذهب غيظ قلوبكم» التلاوة (غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) ولعل بعض الناسخين فهم أنه من البشرى ، فغيره بلفظ الخطاب. والمتجه (غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) لما لقوا ، ثم قوله (وَيُذْهِبْ) بالرفع عطف على يعذبهم بأيديكم ، لأنه من جملة الوعد كما سيشير إليه. (ع)