والمجاشم في جمعه واكتسابه وفي تربية أولادهم. فإن قلت : إن صح تعليق التعذيب (١) بإرادة الله تعالى ، فما بال زهوق أنفسهم (وَهُمْ كارِهُونَ)؟ قلت : المراد الاستدراج بالنعم ، كقوله تعالى (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) كأنه قيل : ويريد أن يديم عليهم نعمته إلى أن يموتوا وهم كافرون ، ملتهون بالتمتع عن النظر للعاقبة.
(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)(٥٧)
(لَمِنْكُمْ) لمن جملة المسلمين (يَفْرَقُونَ) يخافون القتل وما يفعل بالمشركين ، فيتظاهرون بالإسلام تقية (مَلْجَأً) مكاناً يلتجئون إليه متحصنين به من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة (أَوْ مَغاراتٍ) أو غيرانا. وقرئ بضم الميم ، من أغار الرجل وغار إذا دخل الغور. وقيل : هو تعدية غار الشيء وأغرته أنا ، يعنى : أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم. ويجوز أن يكون من : أغار الثعلب ، إذا أسرع ، بمعنى مهارب ومفارّ (أَوْ مُدَّخَلاً) أو نفقا يندسون فيه وينجحرون ، وهو مفتعل من الدخول. وقرئ مدخلا من دخل ، ومدخلا من أدخل : مكانا يدخلون فيه أنفسهم. وقرأ أبى بن كعب رضى الله عنه : متدخلا وقرئ : لو ألوا إليه لالتجؤا إليه (يَجْمَحُونَ) يسرعون إسراعا لا يردّهم شيء ، من الفرس الجموح ، وهو الذي إذا حمل لم يردّه اللجام. وقرأ أنس رضى الله عنه : يجمزون. فسئل فقال : يجمحون ويجمزون ويشتدّون (٢) واحد.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ)(٥٨)
(يَلْمِزُكَ) يعيبك في قسمة الصدقات ويطعن عليك. قيل : هم المؤلفة قلوبهم. وقيل هو ابن ذى الخويصرة رأس الخوارج ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال صلوات الله عليه وسلامه «ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟ (٣) وقيل : هو أبو الجواظ ، من المنافقين ، قال : ألا ترون إلى صاحبكم! إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ،
__________________
(١) قوله «فان قلت إن صح تعليق ... الخ» مبنى على أنه تعالى لا يريد الشر ، وهو مذهب المعتزلة. وعند أهلى السنة : أنه يريده كالخير. (ع)
(٢) قوله «ويجمزون ويشتدون» فيقال : جمز بالجيم يجمز بالكسر : أسرع ، وحمز بالحاء يحمز يضمها : اشتد اه صحاح فتدبر. (ع)
(٣) متفق عليه من حديث أبى سعيد واللفظ للبخاري. ولهما : «إذ جاء ذو الخويصرة» وهو المحفوظ