كان أحب إلىّ. وعند الشافعىّ رضى الله عنه ، لا بدّ من صرفها إلى الأصناف الثمانية. وعن عكرمة رضى الله عنه. أنها تفرّق في الأصناف الثمانية. وعن الزهري أنه كتب لعمر ابن عبد العزيز تفريق الصدقات على الأصناف الثمانية (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) السعاة الذين يقبضونها (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) أشراف من العرب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألفهم على أن يسلموا فيرضخ لهم شيئاً منها حين كان في المسلمين قلة. والرقاب : المكاتبون يعانون منها. وقيل : الأسارى. وقيل : تبتاع الرقاب فتعتق (وَالْغارِمِينَ) الذين ركبتهم الديون ولا يملكون بعدها ما يبلغ النصاب. وقيل الذين تحملوا الحمالات فتداينوا فيها وغرموا (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) فقراء الغزاة والحجيج المنقطع بهم (وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر المنقطع عن ماله فهو فقير حيث هو غنىّ حيث ماله (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) في معنى المصدر المؤكد ، لأنّ قوله إنما الصدقات للفقراء معناه فرض الله الصدقات لهم. وقرئ فريضة بالرفع على : تلك فريضة. فإن قلت : لم عدل عن اللام إلى «في» في الأربعة الأخيرة (١)؟ قلت : للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره ، لأنّ «في» للوعاء ، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصباً ، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر ، وفي فك الغارمين من الغرم من التخليص والإنقاذ ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة ، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال ، وتكرير «في» في قوله (وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين. فإن قلت : فكيف وقعت هذه الآية في تضاعف ذكر المنافقين ومكايدهم؟ قلت : دل بكون هذه الأصناف مصارف
__________________
(١) عاد كلامه. قال : فان قلت لم عدل عن اللام إلى في في الأربعة الأخيرة ... الخ» قال أحمد : وثم سر آخر هو أظهر وأقرب وذلك أن الأصناف الأربعة الأوائل ملاك لما عساه يدفع إليهم ، وإنما يأخذونه ملكا ، فكان دخول اللام لائقا بهم. وأما الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم ، بل ولا يصرف إليهم. ولكن في مصالح تتعلق بهم ، فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون والبائعون ، فليس نصيبهم مصروفا إلى أيديهم حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بتملكهم لما يصرف نحوهم ، وإنما هم محال لهذا الصرف والمصلحة المتعلقة به ، وكذلك العاملون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصاً لذممهم لا لهم. وأما سبيل الله فواضح فيه ذلك. وأما ابن السبيل فكأنه كان مندرجا في سبيل الله ، وإنما أفرد بالذكر تنبيها على خصوصيته ، مع أنه مجرد من الحرفين جميعاً ، وعطفه على المجرور باللام ممكن ، ولكنه على القريب منه أقرب والله أعلم. وكان جدي أبو العباس أحمد بن فارس الفقيه الوزير استنبط من تغاير الحرفين المذكورين وجها في الاستدلال لما لك على أن الغرض بيان المصرف ، واللام لذلك لام الملك ، فيقول : متعلق الجار الواقع خبرا عن الصدقات محذوف ، فيتعين تقديره ، فاما أن يكون التقدير : إنما الصدقات مصروفة لفقراء ، كقول مالك : أو مملوكة للفقراء ، كقول الشافعي ، لكن الأول متعين ، لأنه تقدير يكتفى به في الحرفين جميعاً يصح تعلق اللام به وفي معا ، فيصح أن تقول : هذا الشيء مصروف في كذا وكذا ، بخلاف تقديره مملوكة ، فانه إنما يلتئم مع اللام ، وعند الانتهاء إلى «في» يحتاج إلى تقدير مصروفة ليلتئم بها ، فتقديره من اللام عام التعلق ، شامل الصحة ، متعين ، والله الموفق.