وسخرية به قائلين (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) من المسلمين لننصرف ، فإنا لا نصبر على استماعه ويغلبنا الضحك ، فنخاف الافتضاح بينهم. أو ترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال لو إذا يقولون : هل يراكم من أحد. وقيل : معناه : إذا ما أنزلت سورة في عيب المنافقين (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) دعاء عليهم بالخذلان وبصرف قلوبهم عما في قلوب أهل الإيمان من الانشراح (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) لا يتدبرون حتى يفقهوا.
(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(١٢٩)
(مِنْ أَنْفُسِكُمْ) من جنسكم ومن نسبكم عربى قرشي مثلكم ، ثم ذكر ما يتبع المجانسة والمناسبة من النتائج بقوله (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أى شديد عليه شاق ـ لكونه بعضاً منكم ـ عنتكم ولقاؤكم المكروه ، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) حتى لا يخرج أحد منكم عن اتباعه والاستسعاد بدين الحق الذي جاء به (بِالْمُؤْمِنِينَ) منكم ومن غيركم (رَؤُفٌ رَحِيمٌ). وقرئ : من أنفسكم ، أى من أشرفكم وأفضلكم. وقيل : هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة وعائشة رضى الله عنهما. وقيل : لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (رَؤُفٌ رَحِيمٌ). (فَإِنْ تَوَلَّوْا) فإن أعرضوا عن الإيمان بك وناصبوك فاستعن وفوّض إليه ، فهو كافيك معرّتهم (١) ولا يضرونك وهو ناصرك عليهم. وقرئ «العظيم» بالرفع. وعن ابن عباس رضى الله عنه : العرش لا يقدر أحد قدره. وعن أبىّ ابن كعب : آخر آية نزلت (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ).
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما نزل علىّ القرآن إلا آية آية وحرفاً حرفاً ، ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد ، فإنهما أنزلتا علىّ ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة» (٢)
__________________
ـ الاخبار بأن الله صرف قلوبهم أى منعها من تلقى الحق بالقبول ، ولكن الزمخشري يفر من جعله خبرا لأن صرف القلوب عن الحق لا يجوز على الله تعالى عنده ، بناء على قاعدة الصلاح والأصلح ، ولا يزال يؤول الظاهر إذا اقتضى ذلك كما مر له في قوله (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) فلما احتملت هذه الآية الدعاء والخبر على حد سواء ، تعين عنده جعلها دعاء ، ثم في هذا الدعاء مناسبة الفعل الصادر منهم وهو الانصراف ، كقوله (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) وكقوله (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ).
(١) قوله «فهو كافيك معرتهم» المعرة : الإثم ، كذا في الصحاح. (ع)
(٢) أخرجه الثعلبي من حديث عائشة بإسناد واه.