وبيعهم الإيمان بالكفر (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) للتجارة عارفين بها ، وهو استئناف فيه معنى التعجب ، كأنه قيل : ما أخسرهم!
(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ)(٤٦)
(فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) جواب نتوفينك ، وجواب نرينك محذوف ، كأنه قيل : وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك ، أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه في الآخرة. فإن قلت : الله شهيد على ما يفعلون في الدارين ، فما معنى ثم؟ قلت : ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب ، كأنه قال : ثم الله معاقب على ما يفعلون. وقرأ ابن أبى عبلة : ثم ، بالفتح ، أى هنالك. ويجوز أن يراد : أنّ الله مؤدّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة ، حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٤٧)
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) يبعث إليهم لينبههم على التوحيد ، ويدعوهم إلى دين الحق (فَإِذا جاءَ) هم (رَسُولُهُمْ) بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه (قُضِيَ بَيْنَهُمْ) أى بين النبي ومكذبيه (بِالْقِسْطِ) بالعدل ، فأنجى الرسول وعذب المكذبون ، كقوله (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) أو لكل أمّة من الأمم يوم القيامة رسول تنسب إليه وتدعى به ، فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان ، كقوله تعالى (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ).
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٤٩)
(مَتى هذَا الْوَعْدُ) استعجال لما وعدوا من العذاب استبعادا له (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا) من مرض أو فقر (وَلا نَفْعاً) من صحة أو غنى (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) استثناء منقطع : أى ولكن ما شاء الله من ذلك كائن ، فكيف أملك لكم الضرر وجلب العذاب؟ (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) يعنى أن عذابكم له أجل مضروب عند الله ، وحدّ محدود من الزمان (إِذا جاءَ) ذلك الوقت أنجز وعدكم لا محالة ، فلا تستعجلوا. وقرأ ابن سيرين : فإذا جاء آجالهم.