موسى للسحرة : ما جئتم به السحر ، إنّ الله سيبطله (لِتَلْفِتَنا) لتصرفنا. واللفت والفتل : أخوان ، ومطاوعهما الالتفات والانفتال (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) يعنون عبادة الأصنام (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) أى الملك ، لأنّ الملوك موصوفون بالكبر. ولذلك قيل للملك : الجبار ، ووصف بالصيد والشوس ، ولذلك وصف ابن الرقيات مصعباً في قوله :
مُلْكُهُ مُلْكُ رَأفَة لَيْسَ فِيهِ |
|
جَبَرُوتٌ مِنْهُ وَلَا كِبْرِيَاءُ (١) |
ينفى ما عليه الملوك من ذلك. ويجوز أن يقصدوا ذمّهما وأنهما إن ملكا أرض مصر تجبرا وتكبرا ، كما قال القبطي لموسى عليه السلام : إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) أى مصدّقين لكما فيما جئتما به. وقرئ : يطبع ، ويكون لكما ، بالياء.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)(٨٢)
(ما جِئْتُمْ بِهِ) ما موصولة واقعة مبتدأ. و (السِّحْرُ) خبر ، أى الذي جئتم به هو السحر (٢)
__________________
(١) لعبد الله بن قيس الرقيات. وقيل : لقيس الرقيات يمدح مصعبا ، سمى قيس الرقيات لأنه اتفق له أنه تزوج عدة نسوة ، كل منهن تسمى رقية. وملك : وصف كحذر ، فلذلك نصب «ملك رأفة» على المصدر. وروى «ملكه ملك» على المبتدأ والخبر. وضمير «فيه» للمصدر ، أى : ليس في ملكه جبروت منه ، أى من مصعب. ويحتمل أن الضميرين له. والجبروت : مبالغة في الجبر والقهر ، أى : ليس فيه ذلك كغيره ، فهو أعظم الملوك.
(٢) قال محمود : «ما موصولة مبتدأ ، والسحر خبر أى الذي جئتم به ... الخ» قال أحمد : وليس المراد في القراءة الأولى الاخبار بأن ما جاءوا به سحر خاصة ، ولكن مع تنزيه ما جاء به عن كونه سحراً. وإنما يستفاد ذلك مما في هذا النظم المخصوص من إفادة الحصر ، ولو مرت بخاطر الامام أبى المعالي في مسألة تحريمة التكبير لم بعدل عن الاستشهاد بها على إفادة هذا النظم الحصر ، فانا نعلم أن موسى عليه السلام حيث أطلقه فإنما أراد إضافة السحر إلى ما جاءوا به محصوراً فيه ، حتى لا يتعدى إلى الحق الذي جاء به هو منه شيء. وأما القراءة الثانية ففيها ـ والله أعلم ـ إرشاد إلى أن قول موسى عليه السلام أولا (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) حكاية لقولهم ، ويكون (أَسِحْرٌ هذا) هو الذي قالوه ، ولا يناقض ذلك حكاية الله عنهم أنهم قالوا (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) وذلك إما لأنهم قالوا الأمرين جميعاً : بدءوا بالاستفهام على سبيل الاستهتار بالحق والاستهزاء بكونه حقاً ، والاستهزاء بالحق إنكار له ، بل قد يكون الاستفهام في بعض المواطن أبت من الاخبار. ألا ترى أنهم يقولون في قوله : أأنت أم سالم ، أبلغ في البت من قوله : مخبرا أنت أم سالم؟ ثم ثنوا بصيغة الخبر الخاصة بيت الإنكار ودعوى أنه سحر فقالوا : إن هذا لسحر مبين ، فحكى الله تعالى عنهم هذا القول ـ