مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(٨٦)
(إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) صدقتم به وبآياته (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) فإليه أسندوا أمركم في العصمة من فرعون. ثم شرط في التوكل الإسلام ، وهو أن يسلموا نفوسهم لله ، أى يجعلوها له سالمة خالصة لا حظّ للشيطان فيها ، لأن التوكل لا يكون مع التخليط. ونظيره في الكلام : إن ضربك زيد فاضربه ، إن كانت بك قوّة (فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) إنما قالوا ذلك ، لأنّ القوم كانوا مخلصين ، لا جرم أنّ الله سبحانه قبل توكلهم ، وأجاب دعاءهم ، ونجاهم وأهلك من كانوا يخافونه ، وجعلهم خلفاء في أرضه ، فمن أراد أن يصلح للتوكل على ربه والتفويض إليه ، فعليه برفض التخليط إلى الإخلاص (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) موضع فتنة لهم ، أى : عذاب يعذبوننا ويفتنوننا عن ديننا. أو فتنة لهم يفتتنون بنا ويقولون : لو كان هؤلاء على الحق لما أصيبوا.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(٨٧)
تبوّأ المكان : اتخذه مباءة ، كقولك : توطنه ، إذا اتخذه وطناً. والمعنى اجعلا بمصر بيوتاً من بيوته (١) مباءة لقومكما ومرجعاً يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ) تلك (قِبْلَةً) أى مساجد متوجهة نحو القبلة وهي الكعبة ، وكان موسى ومن معه يصلون إلى الكعبة ، وكانوا في أوّل أمرهم مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم في خفية من الكفرة ، لئلا يظهروا عليهم فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم ، كما كان المؤمنون على ذلك في أوّل الإسلام بمكة. فإن قلت : كيف نوّع الخطاب ، فثنى أوّلا ، ثم جمع ، ثم وحد آخراً. قلت : خوطب موسى وهرون عليهما السلام أن يتبوآ لقومهما بيوتا ، ويختاراها للعبادة ، وذلك مما يفوّض إلى الأنبياء. ثم سيق الخطاب عامّاً لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها ، لأنّ ذلك واجب على الجمهور ، ثم خص موسى عليه السلام بالبشارة التي هي الغرض ، تعظيما لها وللمبشر بها.
(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ)(٨٨)
__________________
(١) قوله «بمصر بيوتا من بيوته» لعل الضمير لمصر. (ع)