والأوّل أظهر ، لقوله (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) وقوله (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ). فإن قلت : لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ (١) ، وكلاهما انتقال من حال إلى حال؟ قلت : الاحتجاج بالأفول أظهر ، لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب. فإن قلت : ما وجه التذكير في قوله (هذا رَبِّي) والإشارة للشمس؟ قلت : جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شيء واحد ، كقولهم : ما جاءت حاجتك ، ومن كانت أمك ، (لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث. ألا تراهم قالوا في صفة الله «علام» ولم يقولوا «علامة» وإن كان العلامة أبلغ ، احترازا من علامة التأنيث. وقرئ : ترى إبراهيم ملكوت السموات والأرض ، بالتاء ورفع الملكوت. ومعناه : تبصره دلائل الربوبية.
(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ
__________________
(١) عاد كلامه. قال : فان قلت : لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال ... الخ» قال أحمد : وهذه أيضاً من عيون نكتة ووجوه حسناته.