القصص والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك ، ولما فيها من الثناء ، كأنها تثنى على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى. و «من» إما للبيان أو للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطوال ، وللبيان إدا أردت الأسباع. ويجوز أن يكون كتب الله كلها مثاني ، لأنها تثنى عليه ، ولما فيها من المواعظ المكررة ، ويكون القرآن بعضها ، فإن قلت : كيف صح عطف القرآن العظيم على السبع ، وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه؟ قلت : إذا عنى بالسبع للفاتحة أو الطوال ، فما وراءهنّ ينطلق عليه اسم القرآن ، لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل. ألا ترى إلى قوله (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) يعنى سورة يوسف ، وإذا عنيت الأسباع فالمعنى : ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم ، أى : الجامع لهذين النعتين ، وهو الثناء أو التثنية والعظم.
(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ)(٨٩)
أى : لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمنّ له (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أصنافاً من الكفار. فإن قلت : كيف وصل هذا بما قبله؟ (١) قلت : يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة ضئيلة ، وهي القرآن العظيم ، فعليك أن تستغني به ، ولا تمدّن عينيك إلى متاع الدنيا. ومنه الحديث «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن ، (٢) وحديث أبى بكر «من أوتى القرآن فرأى أن أحداً أوتى من الدنيا أفضل مما أوتى ، فقد صغر عظيما وعظم صغيراً (٣)» وقيل : وافت من بصرى وأذرعات : سبع قوافل ليهود
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت كيف وصل هذا بما قبله ... الخ»؟ قال أحمد : وهذا هو الصواب في معنى الحديث ، وقد حمله كثير من العلماء على الغناء ، وادعى هؤلاء أن «تغنى» إنما يبنى من الغناء الممدود لا من الغنى المقصور ، وأن فعله استغنى خاصة ، وقد وجدت بناء تغنى من الغنى المقصور في الحديث الصحيح في الخيل. وأما التي هي ستر فرجل ربطها تغنيا وتعففا ، وإنما هذا من الغنى المقصور قطعا واتفاقا ، وهو مصدر تعنى ، فدل ذلك على أنه مستعمل من البناءين جميعاً على خلاف دعوى المخالف ، والله الموفق.
(٢) أخرجه البخاري من طريق أبى سلمة عن أبى هريرة وفي الباب عن سعد وأبى لبابة عند أبى داود. قال المخرج ذهل النووي وقبله المذرى ، ثم الطيبي فعزوه لأبى داود ولم يعزوه للبخاري وأخطأ القرطبي فعزاه لمسلم لا للبخاري ، ولم يذكره صاحب جامع الأصول ، وعزاه الحاكم للشيخين والذي في الصحيحين حديث أبى هريرة «ما أذن الله لشيء كاذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به» «فائدة» قال البيهقي في السنن في كتاب الشهادات ، أخبرنا الحاكم عن أبى الأصم سمعت الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول : ليس منا من لم يتغن بالقرآن. فقال له رحل : يستغن؟ قال : ليس هذا معناه ، أى معناه يقرأه تحزينا.
(٣) لم أجده عن أبى بكر ، وأخرجه ابن عدى في ترجمة حمزة النصيبي عن زيد بن رفيع عن أبى عبيدة عن ابن ـ