بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم عند نزول الآيات. أو ولكنّ أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرّهم فيطمعون في إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)(١١٢)
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) وكما خلينا بينك وبين أعدائك ، كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم ، لم نمنعهم من العداوة ، لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات والصبر. وكثرة الثواب والأجر. وانتصب (شَياطِينَ) على البدل من عدوّا. أو على أنهما مفعولان كقوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ)(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) يوسوس شياطين الجنّ إلى شياطين الإنس. وكذلك بعض الجنّ إلى بعض وبعض الإنس إلى بعض. وعن مالك ابن دينار : إنّ شيطان الإنس أشد علىّ من شيطان الجنّ ، لأنى إذا تعوّذت بالله ذهب شيطان الجنّ عنى ، وشيطان الإنس يجيئني فيجرّنى إلى المعاصي عيانا (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) ما يزينه من القول والوسوسة والإغراء على المعاصي ويموّهه (غُرُوراً) خدعا وأخذاً على غرّة (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) ما فعلوا ذلك ، أى ما عادوك ، أو ما أوحى بعضهم إلى بعض زخرف الفول بأن يكفهم ولا يخليهم وشأنهم.
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ)(١١٣)
(وَلِتَصْغى) جوابه محذوف تقديره : وليكون ذلك جعلنا لكل نبىّ عدوّاً ، على أن اللام لام الصيرورة وتحقيقها ما ذكر. والضمير في (إِلَيْهِ) (١) يرجع إلى ما رجع إليه الضمير في فعلوه ، أى ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين (أَفْئِدَةُ) الكفار (وَلِيَرْضَوْهُ) لأنفسهم (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) من الآثام.
(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(١١٤)
__________________
(١) قوله «والضمير في إليه» أى في قوله تعالى (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ). (ع)