(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ)(٣٩)
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) معطوف على (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إيذاناً بأنهما كفرتان عظيمتان موصوفتان ، حقيقتان بأن تحكيا وتدوّنا : توريك ذنوبهم على مشيئة (١) الله ، وإنكارهم البعث مقسمين عليه. و (بَلى) إثبات لما بعد النفي ، أى : بلى يبعثهم. ووعد الله : مصدر مؤكد لما دلّ عليه بلى. لأن يبعث موعد من الله ، وبين أنّ الوفاء بهذا الموعد حق واجب عليه في الحكمة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أنهم يبعثون أو أنه وعد واجب (٢) على الله ، لأنهم يقولون : لا يجب على الله شيء ، لا ثواب عامل ولا غيره من مواجب الحكمة (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ) متعلق بما دل عليه «بلى» أى يبعثهم ليبين لهم. والضمير لمن يموت ، وهو عام للمؤمنين والكافرين ، والذي اختلفوا فيه هو الحق (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ) كذبوا في قولهم : لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ، وفي قولهم : لا يبعث الله من يموت. وقيل : يجوز أن يتعلق بقوله (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) أى بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه ، وأنهم كانوا على الضلالة قبله ، مفترين على الله الكذب.
(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٤٠)
(قَوْلُنا) مبتدأ ، و (أَنْ نَقُولَ) خبره. (كُنْ فَيَكُونُ) من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود ، أى : إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له : أحدث ، فهو يحدث عقيب ذلك لا يتوقف ، وهذا مثل لأنّ مراداً لا يمتنع عليه ، وأنّ وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف ، كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل ، ولا قول ثم ، والمعنى : أنّ إيجاد كل مقدور على الله تعالى بهذه السهولة ، فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من شق المقدورات. وقرئ : فيكون ، عطفاً على (نَقُولَ).
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(٤٢)
__________________
(١) قوله «توريك ذنوبهم على مشيئة الله» أى نسبة ذنوبهم إلى مشيئته تعالى واتهامها بها. (ع)
(٢) قوله «أو أنه وعد واجب على الله ... الخ» الكلام في الكفار. وعرض فيه المصنف بأهل السنة تعصبا للمعتزلة في قولهم بوجوب الصلاح عليه تعالى فافهم. (ع)