(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٦٩)
الإيحاء إلى النحل : إلهامها والقذف في قلوبها وتعليمها على وجه هو أعلم به ، لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه ، وإلا فنيقتها (١) في صنعتها ، ولطفها في تدبير أمرها ، وإصابتها فيما يصلحها ، دلائل بينة شاهدة على أنّ الله أودعها علماً بذلك وفطنها ، كما أولى أولى العقول عقولهم. وقرأ يحيى بن وثاب (إِلَى النَّحْلِ) بفتحتين. وهو مذكر كالنخل ، وتأنيثه على المعنى (أَنِ اتَّخِذِي) هي أن المفسرة ، لأنّ الإيحاء فيه معنى القول. وقرئ : «بيوتا» بكسر الباء لأجل الياء. و (يَعْرِشُونَ) بكسر الراء وضمها : يرفعون من سقوف البيوت. وقيل : ما يبنون للنحل في الجبال والشجر والبيوت من الأماكن التي تتعسل فيها. والضمير في (يَعْرِشُونَ) للناس. فإن قلت : ما معنى «من» في قوله (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) وهلا قيل في الجبال وفي الشجر؟ قلت : أريد معنى البعضية ، وأن لا تبنى بيوتها (٢) في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش ولا في كل مكان منها (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) إحاطة بالثمرات التي تجرسها النحل (٣) وتعتاد أكلها ، أى ابني البيوت ، ثم كلى من كل ثمرة تشتهينها ، فإذا أكلتها (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) أى الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل. أو فاسلكي ما أكلت في سبل ربك ، أى في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المرّ عسلا من أجوافك ومنافذ مآكلك. أو إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك ، فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك ، لا تتوعر عليك ولا تضلين فيها ،
__________________
(١) قوله «وإلا فنيقتها» أى تأنقها. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قال محمود : «قلت أريد معنى البعضية وأن لا تبنى بيوتها ... الخ» قال أحمد : ويتزين هذا المعنى الذي نبه عليه الزمخشري في تبعيض «من» المتعلقة باتخاذ البيوت بإطلاق الأكل ، كأنه تعالى وكل الأكل إلى شهوتها واختيارها فلم يحجر عليها فيه وإن حجر عليها في البيوت وأمرت باتخاذها في بعض المواضع دون بعض ، لأن مصلحة الأكل على الإطلاق باستمراء مشتهاها منه. وأما البيوت فلا تحصل مصلحتها في كل موضع ، ولهذا المعنى دخلت ثم لتفاوت الأمر بين الحجر عليها في اتخاذ البيوت والإطلاق لها في تناول الثمرات ، كما تقول : راع الحلال فيما تأكله ، ثم كل أى شيء شئت ، فتوسط ثم لتفاوت الحجر والإطلاق ، فسبحان اللطيف الخبير.
(٣) قوله «بالثمرات التي تجرسها النحل» في الصحاح «الجرس» الصوت الخفي ، وجرست النحل العرفط إذا أكلته. وفيه أيضا «العرفط» شجر من العضاه. وفيه «العضاه» كل شجر يعظم وله شوك. (ع)