تَعْمَلُونَ) ولو كان هو المضطرّ إلى الضلال (١) والاهتداء ، لما أثبت لهم عملا يسئلون عنه(٢).
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٩٤)
ثم كرر النهى عن اتخاذ الأيمان دخلا بينهم ، تأكيداً عليهم وإظهاراً لعظم ما يركب منه (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) فتزلّ أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) في الدنيا بصدودكم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وخروجكم من الدين. أو بصدّكم غيركم ، لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدّوا ، لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة.
(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٩٥)
كان قوما ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان ـ لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين ، وإيذائهم لهم ، ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد ـ أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فثبتهم الله ، (وَلا تَشْتَرُوا) ولا تستبدلوا (بِعَهْدِ اللهِ) وبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثَمَناً قَلِيلاً) عرضاً من الدنيا يسيراً ، وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) من إظهاركم وتغنيمكم ، ومن ثواب الآخرة (خَيْرٌ لَكُمْ).
(ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٩٦)
(ما عِنْدَكُمْ) من أعراض الدنيا (يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ) من خزائن رحمته (باقٍ) لا ينفد. وقرئ (لَنَجْزِيَنَ) بالنون والياء (الَّذِينَ صَبَرُوا) على أذى المشركين ومشاقّ الإسلام. فإن
__________________
(١) قوله «ولو كان هو المضطر إلى الضلال» على معنى اسم الفاعل ، أى الذي يضطر العباد ويلجئهم. وقوله «لما أثبت ... الخ» مسلم ، ولكنه لم يضطرهم ولم يلجئهم ولو كان هو الخالق لأعمالهم في الحقيقة ، لما لهم فيها من الكسب كما قرره أهل السنة في علم التوحيد ، فلينظر. (ع)
(٢) عاد كلامه. قال محمود : ومما يدل على أن الله لم يبن الأمر على الإجبار وإنما بناه على الاختيار قوله تعالى (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ولو كان هو المضطر للهداية والضلال لما أثبت لهم ما يسألون عنه» قال أحمد :
أما أهل السنة الذين يسميهم المصنف مجبرة فهم من الإجبار بمعزل ، لأنهم يثبتون للعبد قدرة واختياراً وأفعالا ، وهم مع ذلك يوحدون الله حق توحيده ، فيجعلون قدرته تعالى هي الموجدة والمؤثرة ، وقدرة العبد مقارنة فحسب ، تمييزاً بين الاختياري والقسري وتقوم بها حجة الله على عبده ، والله الموفق.