أمر أن يثبت على حاله : على مكانتك يا فلان ، أى اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه (إِنِّي عامِلٌ) أى عامل على مكانتى التي أنا عليها. والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي ، فإنى ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أينا تكون له العاقبة المحمودة. وطريقة هذا الأمر طريقة قوله (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) وهي التخلية ، والتسجيل على المأمور (١) بأنه لا يأتى منه إلا الشر ، فكأنه مأمور به وهو واجب عليه حتم ليس له أن يتفصى عنه ويعمل بخلافه. فإن قلت : ما موضع (مَنْ)؟ قلت الرفع إذا كان بمعنى «أى» وعلق عنه فعل العلم. أو النصب إذا كان بمعنى «الذي» و (عاقِبَةُ الدَّارِ) العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها. وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك ، فيه إنصاف في المقال وأدب حسن ، مع تضمن شدّة الوعيد ، والوثوق بأنّ المنذر محق والمنذر مبطل.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(١٣٦)
كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله ، وأشياء منها لآلهتهم ، فإذا رأوا ما جعلوه لله زاكياً نامياً يزيد في نفسه خيراً رجعوا فجعلوه للآلهة ، وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها واعتلوا بأنّ الله غنىّ ، وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها : وقوله (مِمَّا ذَرَأَ) فيه أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي ، لأنه هو الذي ذرأه وزكاه ، ولا يرد إلى ما لا يقدر على ذرء ولا تزكية (بِزَعْمِهِمْ) وقرى بالضم ، أى قد زعموا أنه لله والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة التي هي من الشرك ، لأنهم أشركوا بين الله وبين أصنامهم في القربة (فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) أى لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين (فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) من إنفاق عليها بذبح النسائك عندها والإجراء على سدنتها ونحو ذلك (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) في إيثار آلهتهم على الله تعالى وعملهم ما لم يشرع لهم.
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)(١٣٧)
__________________
(١) قوله «والتسجيل على المأمور» في الصحاح «السجل» الصك. وقد سجل الحاكم تسجيلا. وفيه أيضا : هي مسجلة البر والفاجر. قال الأصمعي : أى مرسلة ، يقال أسجلت الكلام أى أرسلته. (ع)