و «لا» للنهى. فإن قلت : هلا قلت هي التي تنصب الفعل ، وجعلت أن لا تشركوا بدلا من (ما حَرَّمَ)؟ قلت : وجب أن يكون (أَلَّا تُشْرِكُوا) و (لا تَقْرَبُوا) و (لا تَقْتُلُوا) و (لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) نواهى لانعطاف الأوامر عليها ، وهي قوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) لأن التقدير : وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، (وَأَوْفُوا) ، (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) ، (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا). فإن قلت : فما تصنع بقوله (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) فيمن قرأ بالفتح ، وإنما يستقيم عطفه على أن لا تشركوا إذا جعلت أن هي الناصبة للفعل ، حتى يكون المعنى : أتل عليكم نفى الإشراك والتوحيد ، وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما؟ قلت : أجعل قوله (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) علة للاتباع بتقدير اللام ، كقوله تعالى (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) بمعنى : ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه. والدليل عليه القراءة بالكسر ، كأنه قيل : واتبعوا صراطي لأنه مستقيم ، أو واتبعوا صراطي إنه مستقيم. فإن قلت : إذا جعلت (أَنَ) مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق بما حرم ربكم ، وجب أن يكون ما بعده منهياً عنه محرما كله ، كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرف النهى ، فما تصنع بالأوامر؟ قلت : لما وردت هذه الأوامر مع النواهي ، وتقدمهنّ جميعاً فعل التحريم ، واشتركن في الدخول تحت حكمه ، علم أن التحريم راجع إلى أضدادها ، وهي الإساءة إلى الوالدين ، وبخس الكيل والميزان. وترك العدل في القول ، ونكث عهد الله (مِنْ إِمْلاقٍ) من أجل فقر ومن خشيته ، كقوله تعالى (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ). (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) مثل قوله (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ). (إِلَّا بِالْحَقِ) كالقصاص ، والقتل على الردّة ، والرجم.
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(١٥٢)
(إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) إلا بالخصلة التي هي أحسن ما يفعل بمال اليتيم ، وهي حفظه وتثميره والمعنى : احفظوه عليه حتى يبلغ أشدّه فادفعوه إليه (بِالْقِسْطِ) بالسوية والعدل ، (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلا ما يسعها ولا تعجز عنه. وإنما أتبع الأمر بإيفاء الكيل والميزان ذلك ، لأن مراعاة الحدّ من القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان مما يجرى فيه الحرج ، فأمر ببلوغ الوسع وأن ما وراءه معفوّ عنه (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القاتل ، فما ينبغي أن يزيد في القول أو ينقص ، كقوله (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)