لمن ضل عن سواء السبيل ، والجار والمجرور متعلق ب (عَلِيمٌ) وإنما تعدى بالباء مع أنه من علم وهو متعد بنفسه ، والتقوية تكون باللام لأن أمثلة المبالغة كما قالوا : خالفت أفعالها لأنها أشبهت أفعل التفضيل لما فيها من الدلالة على الزيادة فأعطيت حكمه في التعدية وهو أنه إن كان فعله متعديا فإن أفهم علما أو جهلا تعدى بالباء ـ كأعلم به وأجهل به ، وعليم به وجهول به ـ وأعلم من يضل على التأويل وإلا تعدى باللام ـ كالضرب لزيد (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ـ وإلا تعدى بما يتعدى به فعله ـ كما صبر على النار ، وصبور على كذا ـ ولعل ذلك أغلبي إذ يقال رحيم به فافهم (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) لما امتنّ سبحانه على من تقدم بما تقدم أتبع ذلك بنعمة عامة وكرامة تامة والإحسان إلى الأصل إحسان إلى الفرع والولد سر أبيه (وَإِذْ) ظرف زمان للماضي مبني لشبهه بالحرف وضعا وافتقارا ويكون ما بعدها جملة فعلية أو اسمية ، ويستفاد الزمان منها بأن يكون ثاني جزأيها فعلا أو يكون مضمونها مشهورا بالوقوع في الزمان المعين ، وإذا دخلت على المضارع قلبته إلى الماضي ، وهي ملازمة للظرفية إلا أن يضاف إليها زمان ، وفي وقوعها مفعولا به أو حرف تعليل أو مفاجأة أو ظرف مكان أو زائدة خلاف ، وفي البحر أنها لا تقع ، وإذا استفيد شيء من ذلك فمن المقام ، واختلف المعربون فيها هنا فقيل : زائدة وبمعنى قد ، وفي موضع رفع أي ابتداء خلقكم إذ وفي موضع نصب بمقدر ـ أي ابتدأ خلقكم أو أحياكم إذ ـ ويعتبر وقتا ممتدا لا حين القول ، ويقال : بعدها ومعمول ـ لخلقكم ـ المتقدم والواو زائدة والفصل بما يكاد أن يكون سورة ، ومتعلق ـ باذكر ـ ويكفي في صحة الظرفية ظرفية المفعول ـ كرميت الصيد في الحرم ـ وهذه عدة أقوال بعضها غير صحيح والبعض فيه تكلف ، فاللائق أن تجعل منصوبة ـ بقالوا ـ الآتي وبينهما تناسب ظاهر والجملة بما فيها عطف على ما قبلها عطف القصة على القصة كذا قيل ، وأنت تعلم أن المشهور القول الأخير ولعله الأولى فتدبر ، ولا يخفى لطف الرب هنا مضافا إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم بطريق الخطاب وكان في تنويعه والخروج من عامه إلى خاصه رمزا إلى أن المقبل عليه بالخطاب له الحظ الأعظم والقسم الأوفر من الجملة المخبر بها فهو صلى الله تعالى عليه وسلم على الحقيقة الخليفة الأعظم في الخليقة والإمام المقدم في الأرض والسماوات العلى ، ولولاه ما خلق آدم بل «ولا ، ولا» ولله تعالى در سيدي ابن الفارض حيث يقول عن لسان الحقيقة المحمدية :
وإني وإن كنت ابن آدم صورة |
|
فلي فيه معنى شاهد بأبوتي |
واللام الجارة للتبليغ ، و «الملائكة» جمع ملأك على وزن شمائل وشمأل وهو مقلوب مالك صفة مشبهة عند الكسائي ، وهو مختار الجمهور من الألوكة وهي الرسالة ، فهم رسل إلى الناس وكالرسل إليهم ، وقيل : لا قلب فابن كيسان إلى أنه فعال من الملك بزيادة الهمزة لأنه مالك ما جعله الله تعالى إليه أو لقوته فإن «م ل ك» يدور مع القوة والشدة يقال : ملكت العجين شددت عجنه ، وهو اشتقاق بعيد ، وفعال قليل ، وأبو عبيدة إلى أنه مفعل من لاك إذا أرسل مصدر ميمي بمعنى المفعول ؛ أو اسم مكان على المبالغة ، وهو اشتقاق بعيد أيضا ، ولم يشتهر لاك ، وكثر في الاستعمال الكني إليه ـ أي كن لي رسولا ـ ولم يجىء سوى هذه الصيغة فاعتبره مهموز العين ، وإن أصله ألا ألاكنى ، وبعض جعله أجوف من لاك يلوك ، والتاء لتأنيث الجمع ، وقيل : للمبالغة ولم يجعل لتأنيث اللفظ كالظلمة لاعتبارهم التأنيث المعنوي في كل جمع حيث قالوا : كل جمع مؤنث بتأويل الجماعة وقد ورد بغير تاء في قوله :
أبا خالد صلت عليك الملائك
واختلف الناس في حقيقتها بعد اتفاقهم على أنها موجودة سمعا أو عقلا ، فذهب أكثر المسلمين إلى أنها أجسام نورانية ، وقيل : هوائية قادرة على التشكل والظهور بأشكال مختلفة بإذن الله تعالى ، وقالت النصارى : إنها الأنفس