ومعادهم إجمالا أيضا ، وإلا فالتفصيل لا يمكن علمه لغير اللطيف الخبير ، فكأنه سبحانه قال : سأوجد كذا وكذا فأخبروني بما لهم وما عليهم ، وما أسماء تلك الأنواع من قولهم : عرضت أمري على فلان فقال لي كذا ، فلا يرد أن المسميات عند بعض أعيان ومعان ، وكيف تعرض المعاني كالسرور والحزن والجهل والعلم ، وعندي أن عرض المسميات عليهم يحتمل أن يكون عبارة عن اطلاعهم على الصور العلمية والأعيان الثابتة التي قد يطلع عليها في هذه النشأة بعض عباد الله تعالى المجردين ، أو إظهار ذلك لهم في عالم تتجسد فيه المعاني ـ وهذا غير ممتنع على الله تعالى ـ بل إن المعاني الآن متشكلة في عالم الملكوت بحيث يراها من يراها ، ومن أحاط خبرا بعالم المثال لم يستبعد ذلك ، وقيل : إنهم شهدوا تلك المسميات في آدم عليهالسلام ، وهو المراد بعرضها.
وتزعم أنك جرم صغير |
|
وفيك انطوى العالم الأكبر |
وقرأ أبيّ «ثم عرضها» وعبد الله «عرضهن» والمعنى عرض مسمياتها أو مسمياتهن ، وقيل : لا تقدير.
(فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) تعجيز لهم ، وليس من التكليف بما لا يطاق ـ على ما وهم ـ وفيه إشارة إلى أن أمر الخلافة والتصرف والتدبير وإقامة المعدلة بغير وقوف على مراتب الاستعدادات ومقادير الحقوق مما لا يكاد يمكن ، فكيف يروم الخلافة من لا يعرف ذلك ، أو من لا يعرف الألفاظ أنفسها؟! هيهات ـ ذلك أبعد من العيوق ، وأعز من بيض الأنوق ـ وعندي أن المراد إظهار عجزهم وقصور استعدادهم عن رتبة الخلافة الجامعة للظاهر والباطن بأمرهم بالإنباء بتلك الأسماء على الوجه الذي أريد منها ، والعاجز عن نفس الإنباء أعجز عن التحلي المطلوب في ذلك المنصب المحبوب.
كيف الوصول إلى سعاد ودونها |
|
قلل الجبال ودونهن حتوف |
الرجل حافية ومالي مركب |
|
والكف صفر والطريق مخوف |
و ـ الإنباء ـ في الأصل مطلق الاخبار ـ وهو الظاهر هنا ـ ويطلق على الاخبار بما فيه فائدة عظيمة ويحصل به علم أو غلبة ظن ، وقال بعضهم : إنه إخبار فيه إعلام ، ولذلك يجري مجرى كل منهما ، واختاره هنا ـ على ما قيل ـ للإيذان برفعة شأن الأسماء وعظم خطرها ؛ وهذا مبني على أن النبأ إنما يطلق على الخبر الخطير والأمر العظيم ، وفي استعمال ـ ثم ـ فيما تقدم ـ والفاء ـ هنا ما لا يخفى من الاعتناء بشأن آدم عليهالسلام وعدمه في شأنهم.
وقرأ الأعمش «أنبوني» بغير همز (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي فيما اختلج في خواطركم من أني لا أخلق خلقا إلا أنتم أعلم منه وأفضل ـ وهذا هو التفسير المأثور ـ فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الملائكة قالوا : لن يخلق الله تعالى خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم ، وفي الكلام دلالة عليه ، فإن (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ) إلخ يدل على أفضليتهم ، وتنزيه الله تعالى وتقديسه ـ أو تقديسهم أنفسهم ـ يدل على كمال العلم أيضا. وقيل : إن المعنى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في زعمكم أنكم أحق بالاستخلاف أو في أن استخلافهم لا يليق فأثبتوه ببيان ما فيكم من الشرائط السابقة ـ وليس هذا من المعصية في شيء ـ لأنه شبهة اختلجت ، وسألوا عما يزيحها وليس باختياري ، ولا يرد أن الصدق والكذب إنما يتعلق بالخبر ـ وهم استخبروا ولم يخبروا ـ لأنا نقول : هما يتطرقان إلى الإنشاءات بالقصد الثاني ، ومن حيث ما يلزم مدلولها ، وإن لم يتطرقا إليها بالقصد الأول ومن حيث منطوقها ، وجواب (إِنْ) في مثل هذا الموضع محذوف عند سيبويه وجمهور البصريين يدل عليه السابق ، وهو هنا (أَنْبِئُونِي) وعند الكوفيين وأبي زيد والمبرد أن الجواب هو المتقدم ، وهذا هو النقل الصحيح عمن ذكر في المسألة ، ووهم البعض فعكس الأمر ، ومن زعم أن (إِنْ) هنا بمعنى إذا الظرفية ـ فلا تحتاج إلى جواب ـ فقد وهم ، وكأنه لما رأى عصمة الملائكة وظن من الآية ما يخل بها ،