لم يعهد إطلاق الاسم على مثله حتى يفسر به النظم ، وقيل : المراد بها أسماء ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وعزي إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وقيل : اللغات ، وقيل : أسماء الملائكة ، وقيل : أسماء النجوم ، وقال الحكيم الترمذي : أسماؤه تعالى ، وقيل وقيل وقيل. والحق عندي ما عليه أهل الله تعالى ، وهو الذي يقتضيه منصب الخلافة الذي علمت ، وهو أنها أسماء الأشياء علوية أو سفلية جوهرية أو عرضية ، ويقال لها أسماء الله تعالى عندهم باعتبار دلالتها عليه ، وظهوره فيها غير متقيد بها ، ولهذا قالوا : إن أسماء الله تعالى غير متناهية ، إذ ما من شيء يبرز للوجود من خبايا الجود ، إلا وهو اسم من أسمائه تعالى وشأن من شئونه عز شأنه ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، ومن هنا قال قدسسره :
إن الوجود وإن تعدد ظاهرا |
|
وحياتكم ما فيه إلا أنتم |
لكن للفرق مقام وللجمع مقام ولكل مقام مقال ، ولو لا المراتب لتعطلت الأسماء والصفات ، وتعليمها له عليهالسلام على هذا ظهور الحق جل وعلا فيه منزها عن الحلول والاتحاد والتشبيه بجميع أسمائه وصفاته المتقابلة حسب استعداده الجامع بحيث علم وجه الحق في تلك الأشياء ، وعلم ما انطوت عليه وفهم ما أشارت إليه ، فلم يخف عليه منها خافية ولم يبق من أسرارها باقية ، فيا لله هذا الجرم الصغير كيف حوى هذا العلم الغزير. واختلف الرسميون بينهم في كيفية التعليم بعد أن فسر بأنه فعل يترتب عليه العلم غالبا ، وبعد حصول ما يتوقف عليه من جهة المتعلم كاستعداده لقبول الفيض وتلقيه من جهة المعلم لا تخلف فقيل : بأن خلق فيه ـ عليهالسلام ـ بموجب استعداده ـ علما ضروريا تفصيليا بتلك الأسماء وبمدلولاتها وبدلالتها ووجه دلالتها ، وقيل : بأن خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباينة مستعدا لإدراك أنواع المدركات ، وألهمه معرفة ذوات الأشياء وأسمائها وخواصها ومعارفها وأصول العلم وقوانين الصناعات وتفاصيل آلاتها وكيفيات استعمالاتها فيكون ما مر من المقاولة قبل خلقه عليهالسلام والقول : بأن التعليم على ظاهره ـ وكان بواسطة ملك غير داخل في عموم الخطاب ب (أَنْبِئُونِي) ـ مما لا أرتضيه ، اللهم إلا إن صح خبر في ذلك ، ومع هذا أقول : للخبر محمل غير ما يتبادر مما لا يخفى على من له ذوق ، وقيل : غير ذلك. ثم إن هذا التعليم لا يقتضي تقدم لغة اصطلاحية كما زعمه أبو هاشم واحتج عليه بوجوه ردت في التفسير الكبير ، إذ لو افتقر لتسلسل الأمر أو دار ، والإمام الأشعري يستدل بهذه الآية على أن الواضع للغات كلها هو الله تعالى ابتداء ويجوز حدوث بعض الأوضاع من البشر كما يضع الرجل علم ابنه. والمعتزلة يقولون : الواضع من البشر آدم أو غيره ويسمى مذهب الاصطلاح. وقيل : وضع الله تعالى بعضها ووضع الباقي البشر وهو مذهب التوزيع وبه قال الأستاذ ، والمسألة مفصلة بأدلتها وما لها وما عليها في أصول الفقه. وقرأ اليماني «علّم» مبنيا للمفعول ، وفي البحر أن التضعيف للتعدية وهي به سماعية ، وقيل : قياسية ، والحريري ـ في شرح لمحته ـ يزعم أن ـ علم ـ المتعدي لاثنين يتعدى به إلى ثلاثة ، وقد وهم في ذلك (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) أي المسميات المفهومة من الكلام وتذكير الضمير على بعض الوجوه لتغليب ما اشتملت عليه من العقلاء ، وللتعظيم بتنزيلها منزلتهم في رأي على البعض الآخر ، وقيل : الضمير للأسماء باعتبار أنها المسميات مجازا على طريق الاستخدام. ومن قال : الاسم عين المسمى قال : الأسماء هي المسميات والضمير لها بلا تكلف ـ وإليه ذهب مكي والمهدوي ـ ويرد عليه أن (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) يدل على أن العرض للسؤال عن أسماء المعروضات ـ لا عن نفسها ـ وإلا لقيل : أنبئوني بهؤلاء ، فلا بد أن يكون المعروض غير المسئول عنه فلا يكون نفس الأسماء ، ومعنى عرض المسميات تصويرها لقلوب الملائكة ، أو إظهارها لهم كالذر ، أو إخبارهم بما سيوجده من العقلاء وغيرهم إجمالا ، وسؤالهم عما لا بد لهم منه من العلوم والصنائع التي بها نظام معاشهم