متقاربان في المعنى غير أن أزلّ يقتضي عثرة مع الزوال ـ والضمير حينئذ للجنة وعوده إلى الشجرة بتجوز ، أو تقدير مضاف ـ أي محلها ـ أو إلى الطاعة المفهومة من الكلام ـ بعيد ، وإزلاله ـ عليه اللعنة ـ إياهما ـ عليهماالسلام ـ كان بكذبه عليهما ومقاسمته على ما قص الله تعالى في كتابه ، وفي كيفية توسله إلى ذلك أقوال ، فقيل: دخل الجنة ابتلاء لآدم وحواء ، وقيل : قام عند الباب فناداهما وأفسد حالهما ، وقيل : تمثل بصورة دابة فدخل ولم يعرفه الخزنة ، وقيل : أرسل بعض أتباعه إليهما. وقيل : بينما هما يتفرجان في الجنة إذ راعهما طاوس تجلى لهما على سور الجنة فدنت حواء منه ، وتبعها آدم فوسوس لهما من وراء الجدار ، وقيل : توسل بحية تسورت الجنة ـ ومشهور حكاية الحية ـ وهذان الأخيران يشير أولهما عند ساداتنا الصوفية إلى توسله من قبل الشهوة خارج الجنة ، وثانيهما إلى توسله بالغضب ، وتسور جدار الجنة عندهم إشارة إلى أن الغضب أقرب إلى الأفق الروحاني والحيز القلبي من الشهوة ، وقيل : توسله إلى ما توسل إليه إذ ذاك مثل توسله اليوم إلى إذلال من شاء الله تعالى وإضلاله ، ولا نعرف من ذلك إلا الهواجس والخواطر التي تفضي إلى ما تفضي ، ولا جزم عند كثير في دخول الشيطان في القلب بل لا يعقلونه ، ولهذا قالوا : خبر إن الشيطان ـ يجري من بني آدم مجرى الدم ـ محمول على الكناية عن مزيد سلطانه عليهم وانقيادهم له ، وكأني بك تختار هذا القول ، وقال أبو منصور : ليس لنا البحث عن كيفية ذلك ، ولا نقطع القول بلا دليل ، وهذا من الإنصاف بمكان ، وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه «فوسوس لهما الشيطان عنها» (١) والضمير في هذه القراءة ـ للشجرة ـ لا غير ، وعوده إلى ـ الجنة ـ بتضمين الإذهاب ونحوه بعيد (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) أي من النعيم والكرامة أو من الجنة. «الأول» جار على تقدير رجوع ضمير (عَنْها) إلى ـ الشجرة ـ أو ـ الجنة ـ «الثاني» مخصوص بالتقدير الأول ـ لئلا يسقط الكلام. وقيل : أخرجهما من لباسهما الذي (كانا فِيهِ) لأنهما لما أكلا تهافت عنهما ، وفي الكلام من التفخيم ما لا يخفى (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) ـ الهبوط ـ النزول ، وعين المضارع تكسر وتضم ، وقال المفضل : هو الخروج من البلد ، والدخول فيها من الأضداد ـ ويقال في انحطاط المنزلة ـ والبعض في الأصل مصدر بمعنى القطع ويطلق على الجزء ، وهو ككل ملازم للإضافة ـ لفظا أو نية ـ ولا تدخل عليه اللام ، ويعود عليه الضمير مفردا ومجموعا ـ إذا أريد به جمع ـ والعدو ـ من ـ العداوة ـ مجاوزة الحد أو التباعد أو الظلم ، ويطلق على الواحد المذكر ومن عداه بلفظ واحد ، وقد يقال : ـ أعداء وعدوة ـ والخطاب لآدم وحواء ، لقوله تعالى : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) [طه : ١٢٣] والقصة واحدة ، وجمع الضمير لتنزيلهما منزلة البشر كلهم ، ولما كان في الأمر بالهبوط انحطاط رتبة المأمور لم يفتتحه بالنداء ـ كما افتتح الأمر بالسكنى ـ واختار الفراء أن المخاطب ـ هما وذريتهما ـ وفيه خطاب المعدوم ، والمأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وكثير من السلف ـ أنه هما وإبليس ـ واعترض بخروجه قبلهما. وأجيب بأن الاخبار عما قال لهم مفرقا ـ على أنه لا مانع من المعية ـ وقيل : هم والحية ، واعترض بعدم تكليفها ، وأجيب بأن الأمر تكويني ، والجملة الاسمية منصوبة المحل على الحال المقدرة ، والحكم باعتبار الذرية. وإذا دخل إبليس والحية ـ كان الأمر أظهر ، ولا يرد أنه كيف يقيد الأمر بالتعادي ـ وهو منهي عنه ـ لأنا نقول بصرف توجه النظر عن القيد كون العداوة طبيعية ـ والأمور الطبيعية غير مكلف بها ـ وإن كلف فبالنظر إلى أسبابها ، وإذا جعل الأمر تكوينيا زال الإشكال ـ إلا أن فيه بعدا ـ وبعضهم يجعل الجملة مستأنفة على تقدير السؤال فرارا عن هذا السؤال ـ مع ما في الاكتفاء بالضمير دون الواو في الجملة الاسمية الحالية من ـ المقال ، حتى ذهب الفراء إلى
__________________
(١) سورة الأعراف الآية : ٢٠