شذوذه ، وإن كان التحقيق ما ذكره بعض المحققين أن الجملة الحالية لا تخلو من أن تكون من سبب ذي الحال أو أجنبية ـ فإن كانت من سببه لزمها العائد والواو ـ كجاء زيد ، وأبوه منطلق ـ إلا ما شذ من نحو كلمته ـ فوه ـ إلى ـ في ـ وإن أجنبية لزمتها ـ الواو ـ نائبة عن العائد ، وقد يجمع بينهما ـ كقدم بشر وعمرو قادم إليه ـ وقد جاءت ـ بلا ولا ـ كقوله :
ثم انتصبنا جبال الصغد معرضة |
|
عن اليسار وعن أيماننا جدد |
وقد تكون صفة ذي الحال ك (تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) [البقرة : ٨٣] وهذه يجوز فيها الوجهان باطراد ، وما نحن فيه من هذا القبيل فتدبر وإفراد العدو إما للنظر إلى لفظ البعض ، وإما لأن وزانه وزان المصدر كالقبول ، وبه تعلق ما قبله واللام ـ كما في البحر ـ مقوية ، وقرأ أبو حيوة (اهْبِطُوا) ـ بضم الباء ـ وهو لغة فيه ، وبهذا الأمر نسخ الأمر والنهي السابقان (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) أراد بالأرض محل الإهباط ، وليس المراد شخصه الذي هو لآدم عليهالسلام ـ موضع بجبل سرنديب ـ ولحواء موضع بجدة ، ولإبليس موضع بالأبلة ، ولصاحبته موضع بنصيبين أو أصبهان أو سجستان ـ والمستقر ـ اسم مكان أو مصدر ميمي ، ويحتمل ـ على بعد ـ كونه اسم مفعول بمعنى ما استقر ملككم عليه وتصرفكم فيه ـ وأبعد منه ـ احتمال كونه اسم زمان ؛ وهو مبتدأ خبره (لَكُمْ) وفيه متعلق بما تعلق به ـ والمتاع ـ البلغة ، مأخوذ من متع النهار ـ إذا ارتفع ـ ويطلق على الانتفاع الممتد وقته ـ ولا يختص بالحقير ـ والحين مقدار من الزمان ـ قصيرا أو طويلا ـ والمراد هنا إلى وقت الموت ـ وهو القيامة الصغرى ـ وقيل : إلى يوم القيامة الكبرى ، وعليه تجعل السكنى في القبر تمتعا في الأرض ، أو يجعل الخطاب شاملا لإبليس ـ ويراد الكل المجموعي ـ والجار متعلق بمتاع ، قيل : أو به ، وبمستقر على التنازع ـ أو بمقدار صفة لمتاع ـ وهذه الجملة كالتي قبلها استئنافا وحالية.
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) المراد ـ بتلقي ـ الكلمات استقبالها بالأخذ والقبول والعمل بها ، فهو مستعار من استقبال الناس بعض الأحبة ـ إذا قدم بعد طول الغيبة ـ لأنهم لا يدعون شيئا من الإكرام إلا فعلوه ، وإكرام الكلمات الواردة من الحضرة الأخذ والقبول والعمل بها ، وفي التعبير ـ بالتلقي ـ إيماء إلى أن آدم عليهالسلام كان في ذلك الوقت في مقام البعد و (مِنْ رَبِّهِ) حال من (كَلِماتٍ) مقدم عليها ، وقيل : متعلق ب (فَتَلَقَّى) وهي من تلقاه منه بمعنى تلقنه ، ولو لا خلوّه عما في الأول من اللطافة لتلقيناه بالقبول ، وقرأ ابن كثير بنصب (آدَمُ) ورفع (كَلِماتٍ) على معنى ـ استقبلته ـ فكأنها مكرمة له لكونها سبب العفو عنه ، وقد يجعل الاستقبال مجازا عن البلوغ بعلاقة السببية ، والمروي في المشهور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أن هذه الكلمات هي (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) [الأعراف : ٢٣] الآية ، وعن ابن مسعود أنها ، سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، لا إله إلا أنت ، ظلمت نفسي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. وقيل : رأى مكتوبا على ساق العرش ، محمد رسول الله فتشفع به ، وإذا أطلقت الكلمة على عيسى عليهالسلام ، فلتطلق الكلمات على الروح الأعظم ، والحبيب الأكرم صلى الله تعالى عليه وسلم ، فما عيسى ، بل وما موسى ، بل «وما ، وما ..» إلا بعض من ظهور أنواره ، وزهرة من رياض أنواره ، وروي غير ذلك (فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة أصلها الرجوع وإذا أسندت إلى العبد كانت ـ كما في الاحياء ـ عبارة عن مجموع أمور ثلاثة ـ علم ـ وهو معرفة ضرر الذنب ، وكونه حجابا عن كل محبوب ، وحال يثمره ذلك العلم ، وهو تألم القلب بسبب فوات المحبوب ، ونسميه ندما ، وعمل يثمره الحال ـ وهو الترك والتدارك ـ والعزم على عدم العود ، وكثيرا ما تطلق على الندم وحده لكونه لازما للعلم مستلزما للعمل. وفي الحديث «الندم توبة» وطريق