تحصيلها تكميل الإيمان بأحوال الآخرة وضرر المعاصي فيها ، وإذا أسندت إليه سبحانه كانت عبارة عن قبول التوبة والعفو عن الذنب ونحوه ، أو التوفيق لها والتيسير لأسبابها بما يظهر للتائبين من آياته ، ويطلعهم عليه من تخويفاته ، حتى يستشعروا الخوف فيرجعوا إليه ، وترجع في الآخرة إلى معنى التفضل والعطف ، ولهذا عديت ـ بعلى ـ وأتى سبحانه بالفاء لأن تلقي الكلمات عين التوبة ، أو مستلزم لها ، ولا شك أن القبول مترتب عليه ، فهي إذا لمجرد السببية ، وقد يقال : إن التوبة لما دام عليها صح التعقيب ـ باعتبار آخرها إذ لا فاصل حينئذ ـ وعلى كل تقدير لا ينافي هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أنهما بكيا مائتي سنة على ما فاتهما ، ولم يقل جل شأنه ـ فتاب عليهما ـ لأن النساء تبع يغني عنهن ذكر المتبوع ، ولذا طوى ذكرهن في كثير من الكتاب والسنة ، وفي الجملة الاسمية ما يقوي رجاء المذنبين ، ويجبر كسر قلوب الخاطئين حيث افتتحها ب «أن» وأتى بضمير الفصل وعرف المسند وأتى به من صيغ المبالغة إشارة إلى قبوله التوبة كلما تاب العبد ، ويحتمل أن ذلك لكثرة من يتوب عليهم ، وجمع بين وصفي كونه توابا وكونه رحيما إشارة إلى مزيد الفضل ، وقدم (التَّوَّابُ) لظهور مناسبته لما قبله ، وقيل في ذكر (الرَّحِيمُ) بعده. إشارة إلى أن قبول التوبة ليس على سبيل الوجوب ـ كما زعمت المعتزلة ـ بل على سبيل الترحم والتفضل ، وأنه الذي سبقت رحمته غضبه ، فيرحم عبده في عين غضبه ـ كما جعل هبوط آدم سبب ارتفاعه ، وبعده سبب قربه ـ فسبحانه من تواب ما أكرمه ، ومن رحيم ما أعظمه ، وإذا فسر التواب بالرجاع إلى المغفرة ـ كان الكلام تذييلا ـ لقوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْهِ) أو بالذي يكثر الإعانة على التوبة ـ كان تذييلا ـ لقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ) إلخ ، وقرأ نوفل (إِنَّهُ) بفتح الهمزة على تقدير ـ لأنه ـ (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) كرر للتأكيد ، فالفصل لكمال الاتصال ـ والفاء ـ في (فَتَلَقَّى) للاعتراض ، إذ لا يجوز تقدم المعطوف على التأكيد ، وفائدته الإشارة إلى مزيد الاهتمام بشأن التوبة وأنه يجب المبادرة إليها ـ ولا يمهل ـ فإنه ذنب آخر مع ما في ذلك من إظهار الرغبة بصلاح حاله عليهالسلام وفراغ باله ، وإزالة ما عسى يتشبث به الملائكة عليهمالسلام ، وقد فضل عليهم وأمروا بالسجود له ، أو كرر ليتعلق عليه معنى آخر غير الأول ، إذ ذكر إهباطهم «أولا» للتعادي وعدم الخلود ، والأمر فيه تكويني «وثانيا» ليهتدي من يهتدي ، ويضل من يضل ، والأمر فيه تكليفي ، ويسمى هذا الأسلوب في البديع ـ الترديد ـ فالفصل حينئذ للانقطاع لتباين الغرضين ، وقيل : إن إنزال القصص للاعتبار بأحوال السابقين ، ففي تكرير الأمر تنبيه على أن الخوف الحاصل من تصور إهباط آدم عليهالسلام المقترن بأحد هذين الأمرين من التعادي والتكليف كاف لمن له حزم ، وخلا عن عذر أن تعوقه عن مخالفة حكمه تعالى ، فكيف المخالفة الحاصلة من تصور الإهباط المقترن بهما؟؟ فلو لم يعد الأمر لعطف (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) على «الأول» فلا يفهم إلا إهباط مترتب عليه جميع هذه الأمور ، ويحتمل ـ على بعد ـ أن تكون فائدة التكرار التنبيه على أنه تعالى هو الذي أراد ذلك ، ولو لا إرادته لما كان ما كان ؛ ولذلك أسند الإهباط إلى نفسه مجردا عن التعليق بالسبب بعد إسناد إخراجهما إلى الشيطان ، فهو قريب من قوله عزّ شأنه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] وقال الجبائي : إن «الأول» من الجنة إلى السماء «والثاني» منها إلى الأرض ، ويضعفه ذكر (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) عقيب الأول و (جَمِيعاً) حال من فاعل (اهْبِطُوا) أي مجتمعين ، سواء كان في زمان واحد أو لا ، وقد يفهم الاتحاد في الزمان من سياق الكلام ، كما قيل به في (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠] وأبعد ابن عطية فجعله تأكيدا لمصدر محذوف أي هبوطا جميعا (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
لا يدخل في الخطاب غير المكلف ، وأدرج الكثيرون (إِبْلِيسَ) لأنه مخاطب بالإيمان ـ والفاء ـ لترتيب ما