أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] وقوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧] وكون مقام الوعيد يأبى عنه غير مسلم ، والثاني بحسب الأشخاص إذ لا بد لهم من التخصيص في غير العصاة لمزيد الدرجات فليس العام باقيا على عمومه عندهم وإلا اقتضى نفي زيادة المنافع وهم لا يقولون به ، ونحن نخصص في العصاة بالأحاديث الصحيحة البالغة حد التواتر ، وحيث فتح باب التخصيص نقول أيضا ذلك النفي مخصص بما قبل الإذن ، لقوله تعالى : (لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ) [سبأ : ٢٣] وهو تخصيص له دليل ، وتخصيصهم لا يظهر له دليل على أن الشفاعة بزيادة المنافع يكاد أن لا تكون شفاعة وإلا لكنا شفعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم عند الصلاة عليه مع أن الإجماع وقع منا ومنهم على أنه هو الشفيع ، وأيضا في قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [محمد : ١٩] ما يشير إلى الشفاعة التي ندعيها ـ ويحث على التخصيص الذي نذهب إليه ـ رزقنا الله تعالى الشفاعة وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة ، ولما قدم سبحانه ذكر نعمه إجمالا أراد أن يفصل ليكون أبلغ في التذكير وأعظم في الحجة فقال : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) وهو على الشائع عطف على (نِعْمَتِيَ) بتقدير (اذْكُرُوا) كيلا يلزم الفصل بين المعطوفين بأجنبي وهو (اتَّقُوا) وقد تقدم قبل ما ينفعك هنا ، وقرئ ـ أنجيناكم ، وأنجيتكم ـ ونسبت الأولى للنخعي ، والآل قيل : بمعنى الأهل وإن ألفه بدل عن هاء ، وإن تصغيره أهيل ، وبعضهم ذهب إلى أن ألفه بدل من همزة ساكنة وتلك الهمزة بدل من هاء ، وقيل : ليس بمعنى الأهل لأن الأهل القرابة والآل من يؤول إليك في قرابة أو رأي أو مذهب ، فألفه بدل من واو ، ولذلك قال يونس في تصغيره : أويل ، ونقله الكسائي نصا عن العرب ، وروي عن أبي عمر ـ غلام ثعلب ـ أن الأهل القرابة كان لها تابع أو لا ، والآل القرابة بتابعها فهو أخص من الأهل ، وقد خصوه أيضا بالإضافة إلى أولي الخطر فلا يضاف إلى غير العقلاء ولا إلى من لا خطر له منهم ، فلا يقال ـ آل الكوفة ، ولا ـ آل الحجام ـ وزاد بعضهم اشتراط التذكير فلا يقال ـ آل فاطمة ـ ولعل كل ذلك أكثريّ وإلا فقد ورد على خلاف ذلك ـ كآل اعوج ـ اسم فرس وآل المدينة وآل نعم ، وآل الصليب. وآلك ـ ويستعمل غير مضاف ـ كهم خير آل ـ ويجمع ـ كأهل ـ فيقال آلون : وفرعون لقب لمن ملك العمالقة ـ ككسرى لملك الفرس ، وقيصر لملك الروم ، وخاقان لملك الترك ، وتبع لملك اليمن ، والنجاشي لملك الحبشة ـ وقال السهيلي : هو اسم لكل من ملك القبط ومصر ، وهو غير منصرف للعلمية والعجمة ، وقد اشتق منه باعتبار ما يلزمه فقيل : تفر عن الرجل إذا تجبر وعتا. واسم فرعون هذا الوليد بن مصعب ـ قاله ابن إسحاق ، وأكثر المفسرين ـ وقيل : أبوه مصعب بن ريان حكاه ابن جرير ، وقيل : قنطوس حكاه مقاتل ، وذكر وهب بن منبه أن أهل الكتابين قالوا : إن اسمه قابوس ، وكنيته أبو مرة وكان من القبط ، وقيل : من بني عمليق أو عملاق بن لاوذ بن ارم بن سام بن نوح عليهالسلام ، وهم أمم تفرقوا في البلاد ، وروي أنه من أهل إصطخر ورد إلى مصر فصار بها ملكا ، وقيل : كان عطارا بأصفهان ركبته الديون فدخل مصر وآل أمره إلى ما آل ـ وحكاية البطيخ شهيرة ـ وقد نقلها مولانا مفتي الديار الرومية في تفسيره ، والصحيح أنه غير فرعون يوسف عليهالسلام ، وكان اسمه ـ على المشهور ـ الريان بن الوليد ، وقد آمن بيوسف ومات في حياته وهو من أجداد فرعون المذكور على قول ، ويؤيد الغيرية أن بين دخول يوسف ودخول موسى عليهماالسلام أكثر من أربعمائة سنة ، والمراد ب (آلِ فِرْعَوْنَ) هنا أهل مصر أو أهل بيته خاصة أو أتباعه على دينه ، وب (نَجَّيْناكُمْ) أنجينا آباءكم ، وكذا نظائره فلا حجة فيها لتناسخي ، وهذا في كلام العرب شائع كقول حسان :
ونحن قتلناكم ببدر فأصبحت |
|
عساكركم في الهالكين «تجول» |
و (يَسُومُونَكُمْ) من السوم ، وأصله الذهاب للطلب ، ويستعمل للذهاب وحده تارة ، ومنه السائمة ، وللطلب