القلب فإن له يدا بيضاء في هذا الشأن ـ لغرقوا كما غرق فرعون وقومه ولو كانت هذه العصا في يد فرعون النفس لم ينفلق فكما أن يد موسى القلب شرط في الانفلاق كذلك عصا الذكر شرط فيه ، فإذا حصل الشرطان وضرب موسى بعصا الذكر مرة بعد أخرى ينفلق بإذن الله بحر الدنيا بالنفي وينشبك ماء الشهوات يمينا وشمالا ، ويرسل الله تعالى ريح العناية ، وشمس الهداية على قعر ذلك البحر فيصير يابسا من ماء الشهوات فيخرج موسى وقومه بعناية التوحيد إلى ساحل النجاة (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [النجم : ٤٢] ويقال لفرعون وقومه إذا غرقوا وأدخلوا نارا ألا : (بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود : ٤٤].
(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) لما جاوز بنو إسرائيل البحر سألوا موسى عليهالسلام أن يأتيهم بكتاب من عند الله فوعده سبحانه أن يعطيه التوراة وقبل موسى ذلك ، وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة أو ذا الحجة وعشر المحرم فالمفاعلة على بابها ، وهي من طرف فعل ، ومن آخر قبوله مثل ـ عالجت المريض ـ وإنكار جواز ذلك لا يسمع مع وروده في كلام العرب وتصريح الأئمة به وارتضائهم له ، ويجوز أن يكون (واعَدْنا) من باب الموافاة وليس من الوعد في شيء وإنما هو من قولك موعدك يوم كذا وموضع كذا ، ويحتمل أن يكون بمعنى وعدنا وبه قرأ أبو عمرو أو يقدر الملاقاة أو يقال بالتفكيك إلى فعلين فيقدر الوحي في أحدهما ، والمجيء في الآخر ولا محذور في شيء كما حققه الدامغاني ، وقول أبي عبيدة : المواعدة لا تكون إلا من البشر غير مسلم ، وقول أبي حاتم : أكثر ما تكون من المخلوقين المتكافئين على تقدير تسليمه لا يضرنا ، و (أَرْبَعِينَ) مفعول به بحذف المضاف بأدنى ملابسة أي إعطاء أربعين أي عند انقضائها ، أو في العشر الأخير منها ، أو في كلها أو في أولها على اختلاف الروايات ، أو ظرف مستقر وقع صفة لمفعول محذوف ـ لواعدنا ـ أي واعدنا موسى أمرا كائنا في أربعين ، وقيل : مفعول مطلق أي واعدنا موسى مواعدة أربعين ليلة.
ومن الناس من ذهب إلى أن الأولى أن لا يقدر مفعول لأن المقصود بيان من وعد لا ما وعد ـ وينصب الأربعين على الإجراء مجرى المفعول به توسعا ، وفيه مبالغة بجعل ميقات الوعد موعودا وجعل الأربعين ظرفا لواعدنا على حد جاء زيد يوم الخميس ـ ليس بشيء كما لا يخفى ، و (مُوسى) اسم أعجمي لا ينصرف للعلمية والعجمة ، ويقال : هو مركب من «مو» وهو الماء «وشي» وهو الشجر وغيّر إلى «سي» بالمهملة وكأن من سماه به أراد ماء البحر والتابوت الذي قذف فيه ـ وخاض بعضهم في وزنه ـ فعن سيبويه إن وزنه مفعل (١) وقيل : إنه فعلى وهو مشتق من ماس يميس فأبدلت الياء واوا لضم ما قبلها كما قالوا طوبى ، وهي من ذوات الياء لأنها من طاب يطيب ، ويبعده أن الإجماع على صرفه نكرة ولو كان فعلى لم ينصرف لأن ألف التأنيث وحدها تمنع الصرف في المعرفة والنكرة على أن زيادة الميم أولا أكثر من زيادة الألف آخرا ، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك الوقت بالليالي دون الأيام لأن افتتاح الميقات كان من الليل ، والليالي غرر شهور العرب لأنها وضعت على سير القمر ، والهلال إنما يهل بالليل ، أو لأن الظلمة أقدم من الضوء بدليل (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧] أو إشارة إلى مواصلة الصوم ليلا ونهارا ولو كان التفسير باليوم أمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل فلما نص على الليالي فهم من قوة الكلام أنه واصل أربعين ليلة بأيامها ، والقول بأن ذكر الليلة ـ كان للإشعار بأن وعد موسى عليهالسلام كان بقيام الليل ـ ليس بشيء لأن المروي أن المأمور به كان
__________________
(١) وموسى : الحديدة المعلومة مذكر لا غير عند الآمدي. وقال الفراء : هي فعلى ويؤنث ، وفي البحر إنه مؤنث عربي مشتق من آسوت الشيء أصلحته ووزنه مفعل وأصله الهمز ، وقيل : اشتقاقه من أوسيت حلقت ولا أصل للواو في الهمز ا ه منه.