بلفظ (خَطاياكُمْ) وأمالها الكسائي ، وقرأ الجحدري وقتادة «تغفر» بضم التاء ، وأفرد ـ «الخطيئة» ـ وقرأ الجمهور بإظهار ـ الراء ـ من «يغفر» عند ـ اللام ـ وأدغمها قوم ، قالوا : وهو ضعيف (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) معطوف على جملة (قُولُوا حِطَّةٌ) وذكر أنه عطف على الجواب ، ولم ينجزم لأن ـ السين ـ تمنع الجزاء عن قبول الجزم ، وفي إبرازه في تلك الصورة دون تردد دليل على أن المحسن يفعل ذلك البتة ، وفي الكلام صفة الجمع مع التفريق ، فإن (قُولُوا حِطَّةٌ) جمع ، و (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ) تفريق ، والمفعول محذوف ، أي ثوابا (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) أي بدل (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالقول (الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) قولا غيره (فَبَدَّلَ) يتعدى لمفعولين «أحدهما» بنفسه «والآخر» بالياء ويدخل على المتروك ـ فالذم متوجه ـ وجوّز أبو البقاء أن يكون ـ بدل ـ محمولا على المعنى ، أي فقال (الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً) إلخ ، والقول بأن (غَيْرَ) منصوب بنزع الخافض ، كأنه قيل : فغيروا قولا بغيره غير مرضي من القول ، وصرح سبحانه ـ بالمغايرة ـ مع استحالة تحقق ـ التبديل ـ بدونها تحقيقا لمخالفتهم وتنصيصا على ـ المغايرة ـ من كل وجه ، وظاهر الآية انقسام من هناك إلى ـ ظالمين ـ وغير ظالمين ـ وأن ـ الظالمين ـ هم ـ الذين بدلوا ـ وإن كان ـ المبدل ـ الكل كان وضع ذلك من وضع الظاهر موضع الضمير ـ للإشعار بالعلة ـ واختلف في ـ القول الذي بدلوه ـ ففي الصحيحين أنهم قالوا : حبة في شعيرة ، وروى الحاكم «حنطة» بدل (حِطَّةٌ) وفي المعالم أنهم قالوا بلسانهم ـ حطا سمقاثا ـ أي حنطة حمراء ، قالوا ذلك استهزاء منهم بما قيل لهم ، والروايات في ذلك كثيرة ، وإذا صحت يحمل اختلاف الألفاظ على اختلاف القائلين ، والقول بأنه لم يكن منهم ـ تبديل ـ ومعنى ـ فبدلوا لم يفعلوا ما أمروا به ، لا أنهم أتوا ببدل له ـ غير مسلم ـ وإن قاله أبو مسلم ـ وظاهر الآية ، والأحاديث تكذبه (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) وضع المظهر موضع الضمير مبالغة في تقبيح أمرهم ، وإشعارا بكون ظلمهم وإضرارهم أنفسهم بترك ما يوجب نجاتها ، أو وضعهم غير المأمور به موضعه سببا لإنزال ـ الرجز ـ وهو العذاب ـ وتكسر راؤه وتضم ـ والضم لغة بني الصعدات ـ وبه قرأ ابن محيصن ـ والمراد به هنا ـ كما روي عن ابن عباس ـ ظلمة وموت ، يروى أنه مات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفا ، وقال وهب : طاعون غدوا به أربعين ليلة ثم ماتوا بعد ذلك ، وقال ابن جبير : ثلج هلك به منهم سبعون ألفا ـ فإن فسر بالثلج ـ كان كونه (مِنَ السَّماءِ) ظاهرا ـ وإن بغيره ـ فهو إشارة إلى الجهة التي يكون منها القضاء أو مبالغة في علوه بالقهر والاستيلاء ، وذكر بعض المحققين أن الجار والمجرور ظرف مستقر وقع صفة ل (رِجْزاً) و (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) متعلق به لنيابته عن العامل علة له ، وكلمة (ما) مصدرية ، والمعنى (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) لظلمهم عذابا مقدرا بسبب كونهم مستمرين على ـ الفسق ـ في الزمان الماضي ، وهذا أولى من جعل الجار والمجرور ظرفا لغوا متعلقا ب (فَأَنْزَلْنا) لظهوره على سائر الأقوال ، ولئلا يحتاج في تعليل ـ الإنزال بالفسق ـ بعد التعليل المستفاد من التعليق بالظلم إلى القول بأن الفسق ـ عين ـ الظلم ـ وكرر للتأكيد ، أو أن ـ الظلم أعم ـ والفسق ـ لا بد أن يكون من الكبائر ، فبعد وصفهم بالظلم ـ وصفوا ـ بالفسق ـ للإيذان بكونه من الكبائر ، فإن «الأول» (١) بضاعة العاجز «والثاني» لا يدفع ركاكة التعليل ، وما قيل : إنه تعليل ـ للظلم ـ فيكون إنزال العذاب مسببا عن ـ الظلم ـ المسبب عن ـ الفسق ـ ليس بشيء ، إذ ـ ظلمهم ـ المذكور سابقا ، الذي هو سبب الإنزال لا يحتاج إلى العلة ، وقد احتج بعض الناس بقوله تعالى : (فَبَدَّلَ) إلخ ، وترتب العذاب عن التبديل ، على أن ما ورد به التوقيف من الأقوال لا يجوز تغييره ولا تبديله بلفظ آخر ، وقال قوم : يجوز ذكر إذا كانت
__________________
(١) الأول لأبي مسلم ، والثاني للرازي ، والثالث للجيلي ا ه منه.