وكذا المتقدم عليه بزمان مقدر أيضا ، ولأن (إِذا) للاستقبال فالقضاء محدث و (كُنْ) مرتب عليه بفاء التعقيب ، والمتأخر عن المحدث محدث ، ولا جائز أن يكون محدثا وإلا لدار أو تسلسل ، «الثاني» إما أن يخاطب المخلوق يكن قبل دخوله في الوجود ، وخطاب المعدوم سفه ، وإما بعد دخوله ولا فائدة فيه.
«الثالث» المخلوق قد يكون جمادا وتكليفه لا يليق بالحكمة «الرابع» إذا فرضنا القادر المريد منفكا عن قوله (كُنْ) فإن تمكن من الإيجاد فلا حاجة إليها وإن لم يتمكن فلا يكون القادر قادرا على الفعل إلا عند تكلمه ب (كُنْ) فيلزم عجزه بالنظر إلى ذاته «الخامس» أنا نعلم بالضرورة أنه لا تأثير لهذه الكلمة إذا تكلمنا بها فكذا إذا تكلم بها غيرنا.
«السادس» المؤثر إما مجموع الكاف والنون ولا وجود لهما مجموعين أو أحدهما وهو خلاف المفروض انتهى. وأنت إذا تأملت ما ذكرنا ظهر لك اندفاع جميع هذه الوجوه ، ويا عجبا لمن يقول بالكلام النفسي ويجعل هذا دالا عليه كيف تروعه هذه القعاقع أم كيف تغره هذه الفقاقع؟! نعم لو ذهب ذاهب إلى هذا القول لما فيه من مزيد إثبات العظمة لله تعالى ما ليس في الأول لا لأن الأول باطل في نفسه كان حريا بالقبول ـ ولعلي أقول به ـ والآية مسوقة لبيان كيفية الإبداع ومعطوفة على قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مشتملة على تقرير معنى الإبداع وفيها تلويح بحجة أخرى لإبطال ذلك الهذيان بأن اتخاذ الولد من الوالد إنما يكون بعد قصده بأطوار ومهلة لما أن ذلك لا يمكن إلا بعد انفصال مادته عنه وصيرورته حيوانا ، وفعله تعالى بعد إرادته أو تعلق قوله مستغن عن المهلة فلا يكون اتخاذ الولد فعله تعالى ، وكأن السبب في هذه الضلالة أنه ورد إطلاق الأب على الله تعالى في الشرائع المتقدمة باعتبار أنه السبب الأول وكثر هذا الإطلاق في إنجيل يوحنا ثم ظنت الجهلة أن المراد به معنى الولادة فاعتقدوا ذلك تقليدا وكفروا ، ولم يجوز العلماء اليوم إطلاق ذلك عليه تعالى مجازا قطعا لمادة الفساد ، وقرأ ابن عامر (فَيَكُونُ) بالنصب ، وقد أشكلت على النحاة حتى تجرأ أحمد بن موسى فحكم بخطئها وهو سوء أدب بل من أقبح الخطأ ووجهها أن تكون حينئذ جواب الأمر حملا على صورة اللفظ وإن كان معناه الخبر إذ ليس معناه تعليق مدلول مدخول الفاء بمدلول صيغة الأمر الذي يقتضيه سببية ما قبل الفاء لما بعدها اللازمة لجواب الأمر بالفاء إذ لا معنى لقولنا ليكن منك كون فكون ، وقيل : الداعي إلى الحمل على اللفظ أن الأمر ليس حقيقيا فلا ينصب جوابه وإن من شرط ذلك أن ينعقد منهما شرط وجزاء نحو ـ ائتني فأكرمك ـ إذ تقديره إن تأتني أكرمك وهنا لا يصح ـ إن يكن يكن ـ وإلا لزم كون الشيء سببا لنفسه ، وأجيب بأن المراد إن يكن في علم الله تعالى وإرادته يكن في الخارج فهو على حد «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» وبأن كون الأمر غير الحقيقي لا ينصب في جوابه ممنوع فإن كان بلفظ فظاهر ولكنه مجاز عن سرعة التكوين وإن لم يعتبر فهو مجاز عن إرادة سرعته فيؤول إلى أن يراد سرعة وجود شيء يوجد في الحال فلا محذور للتغاير الظاهر ولا يخفى ما فيه ، ووجه الرفع الاستئناف أي فهو يكون وهو مذهب سيبويه ، وذهب الزجاج إلى عطفه على (يَقُولُ) وعلى التقديرين لا يكون (فَيَكُونُ) داخلا في المقول ومن تتمته ليوجه العدول عن الخطاب بأنه من باب الالتفات تحقيرا لشأن الأمر في سهولة تكونه ووجهه به غير واحد على تقدير الدخول.
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) عطف على قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ) ووجه الارتباط أن «الأول» كان قدحا في التوحيد وهذا قدح في النبوة ، والمراد من الموصول جهلة المشركين ، وقد روي ذلك عن قتادة والسدي والحسن وجماعة ، وعليه أكثر المفسرين ويدل عليه قوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠] وقالوا : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥] وقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان :