٢١] وقيل : المراد به اليهود الذي كانوا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رافع بن خزيمة من اليهود قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن كنت رسولا من عند الله تعالى فقل لله يكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) [النساء : ١٥٣] وقال مجاهد : المراد به النصارى ورجحه الطبري بأنهم المذكورون في الآية ، وهو كما ترى ، ونفي العلم على الأول عنهم على حقيقته لأنهم لم يكن لهم كتاب ولا هم أتباع نبوة ، وعلى الأخيرين لتجاهلهم أو لعدم علمهم بمقتضاه (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) أي هلا يكلمنا بأنك رسوله إما بالذات كما يكلم الملائكة أو بإنزال الوحي إلينا ، وهو استكبار منهم بعد أنفسهم الخبيثة كالملائكة والأنبياء المقدسين عليهم الصلاة والسلام (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) أي حجة على صدقك وهو جحود منهم قاتلهم الله تعالى لما آتاهم من الآيات البينات ، والحجج الباهرات التي تخر لها صم الجبال ، وقيل : المراد إتيان آية مقترحة ، وفيه أن تخصيص النكرة خلاف الظاهر (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) جواب لشبهتهم يعني أنهم يسألون عن تعنت واستكبار مثل الأمم السابقة والسائل المتعنت لا يستحق إجابة مسألته (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) هذا الباطل الشنيع (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [النساء : ١٥٣] (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً) [المائدة : ١١٢] (اجْعَلْ لَنا إِلهاً) [الأعراف : ١٣٨] وقد تقدم الكلام على هذين التشبيهين ، ولبعضهم هنا زيادة على ما مر احتمال تعلق (كَذلِكَ) ب (تَأْتِينا) وحينئذ يكون الوقف عليه لا على (آيَةٌ) أو جعل (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) متعلقا ب (تَشابَهَتْ) وحينئذ يكون الوقف على (مِنْ قَبْلِهِمْ) وأنت تعلم أنه لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى الكريم على مثل هذه الاحتمالات الباردة (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) أي قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والعناد ، وقيل : في التعنت والاقتراح ، والجملة مقررة لما قبلها ، وقرأ أبو حيوة وابن أبي إسحاق بتشديد الشين قال أبو عمرو الداني : وذلك غير جائز لأنه فعل ماض والتاءان المزيدتان إنما يجيئان في المضارع فيدغم أما الماضي فلا ، وفي غرائب التفسير أنهم أجمعوا على خطئه ، ووجه ذلك الراغب بأنه حمل الماضي على المضارع فزيد فيه ما يزاد فيه ولا يخفى أنه بهذا القدر لا يندفع الاشكال ، وقال ابن سهمي في الشواذ : إن العرب قد تزيد على أول تفعل في الماضي تاء فتقول تتفعل وأنشد تتقطعت بي دونك الأسباب وهو قول غير مرضي ولا مقبول فالصواب عدم صحة نسبة هذه القراءة إلى هذين الإمامين وقد أشرنا إلى نحو ذلك فيما تقدم (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ) أي نزلناها بينة بأن جعلناها كذلك في أنفسها فهو على حد سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي يعلمون الحقائق علما ذا وثاقة لا يعتريهم شبهة ولا عناد وهؤلاء ليسوا كذلك فلهذا تعنتوا واستكبروا وقالوا ما قالوا ، والجملة على هذا معللة لقوله تعالى : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كما صرح به بعض المحققين ، ويحتمل أن يراد من الإتيان طلب الحق واليقين و ـ الآية ـ رد لطلبهم الآية وفي تعريف الآيات وجمعها وإيراد التبيين مكان الإتيان الذي طلبوه ما لا يخفى من الجزالة ، والمعنى أنهم اقترحوا (آيَةٌ) فذة ونحن قد بينا الآيات العظام لقوم يطلبون الحق واليقين وإنما لم يتعرض سبحانه لرد قولهم (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) إيذانا بأنه منهم أشبه شيء بكلام الأحمق وجواب الأحمق السكوت (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) أي متلبسا مؤيدا به فالظرف مستقر ، وقيل : لغو متعلق بأرسلنا أو بما بعده ، وفسر الحق بالقرآن أو بالإسلام وبقاؤه على عمومه أولى (بَشِيراً وَنَذِيراً) حالان من الكاف ، وقيل : من الحق والآية اعتراض لتسلية الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه كان يهتم ويضيق صدره لإصرارهم على الكفر والمراد (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) لأن تبشر من أطاع وتنذر من عصى لا لتجبر على الإيمان فما عليك إن أصروا أو كابروا؟ والتأكيد لإقامة غير المنكر مقام المنكر بما لاح عليه من أمارة الإنكار والقصر إفرادي.