ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥) قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(١٣٦)
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) في متعلق (إِذِ) احتمالات تقدمت الإشارة إليها في نظيرالآية ، واختار أبو حيان تعلقها ب (قالَ) الآتي ، وبعضهم بمضمر مؤخر ، أي كان كيت وكيت «والمشهور» تعلقها بمضمر مقدم تقديره ـ اذكر ـ أو ـ اذكروا ـ وقت كذا ، والجملة حينئذ معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة ، والجامع الاتحاد في المقصد ؛ فإن المقصد من ـ تذكيرهم وتخويفهم ـ تحريضهمعلى قبول دينه صلىاللهعليهوسلم ، واتباع الحق ، وترك التعصب ، وحب الرئاسة ، كذلك المقصد من قصة (إِبْراهِيمَ) عليهالسلام وشرح أحواله ، الدعوة إلى ملة الإسلام ؛ وترك التعصب في الدين ، وذلك لأنه إذا علم أنه نال ـ الإمامة ـ بالانقياد لحكمه تعالى وأنه لم يستجب دعاءه في (الظَّالِمِينَ) وأن الكعبة كانت مطافا ومعبدا في وقته مأمورا هو بتطهيره ، وأنه كان يحج البيت داعيا مبتهلا ـ كما هو دين النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم ـ وأن نبينا عليه الصلاة والسلام من دعوته ، وأنه دعا في حق نفسه وذريته بملة الإسلام ، كان الواجب على من يعترف بفضله وأنه من أولاده ، ويزعم اتباع ملته ، ويباهي بأنه من ساكن حرمه وحامي بيته ، أن يكون حاله مثل ذلك ، وذهب عصام الملة والدين إلى جواز العطف على (نِعْمَتِيَ) أي (اذْكُرُوا) وقت ـ ابتلاء إبراهيم ـ فإن فيه ما ينفعكم ويرد اعتقادكم الفاسد أن آباءكم شفعاؤكم يوم القيامة ، لأنه لم يقبل دعاء إبراهيم في ـ الظلمة ـ ويدفع عنكم حب الرئاسة المانع عن متابعة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، فإنه يعلم منه أنه لا ينال الرئاسة (الظَّالِمِينَ) واعترض بأنه خروج عن طريق البلاغة مع لزوم تخصيص الخطاب بأهل الكتاب وتخلل (اتَّقُوا) بين المعطوفين ـ والابتلاء ـ في الأصل الاختبار ـ كما قدمنا ـ والمراد به هنا التكليف. أو المعاملة معاملة الاختبار مجازا ، إذ حقيقة الاختبار محالة عليه تعالى ـ لكونه عالم السر والخفيات ـ و (إِبْراهِيمَ) علم أعجمي ، قيل : معناه قبل النقل ـ أب رحيم ـ وهو مفعول مقدم لإضافة فاعله إلى ضميره ، والتعرض لعنوان الربوبية تشريف له عليهالسلام ، وإيذان بأن ذلك ـ الابتلاء ـ تربية له وترشيح لأمر خطير ، و ـ الكلمات ـ جمع ـ كلمة ـ وأصل معناها ـ اللفظ المفرد ـ وتستعمل في الجمل المفيدة ، وتطلق على معاني ذلك ـ لما بين اللفظ والمعنى من شدة الاتصال ـ واختلف فيها. فقال طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إنها العشرة التي من الفطرة ، المضمضة والاستنشاق وقص الشارب وإعفاء اللحية والفرق ونتف الإبط وتقليم الأظفار وحلق العانة والاستطابة والختان ، وقال عكرمة رواية عنه أيضا : لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه كله إلا إبراهيم ، ابتلاه الله تعالى بثلاثين خصلة من خصال الإسلام ، عشر منها في سورة براءة ، (التَّائِبُونَ) [التوبة : ١١٢] إلخ ، وعشر في الأحزاب [٢٥] (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) إلخ ، وعشر في المؤمنين و (سَأَلَ سائِلٌ) إلى (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) [المعارج : ١ ـ ٢٤] وفي رواية الحاكم في مستدركه أنها ثلاثون ، وعد السور الثلاثة الأول ولم يعد السورة الأخيرة ، فالذي في براءة ، التوبة والعبادة والحمد والسياحة والركوع ، والسجود. والأمر بالمعروف. والنهي عن المنكر. والحفظ لحدود الله تعالى. والإيمان المستفاد من (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين) أو من (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ١١١] في الأحزاب ، الإسلام. والإيمان. والقنوت.