متعلقة ب (يَرْفَعُ) أو حال من (الْقَواعِدَ) ولم يقل قواعد البيت لما في الإبهام والتبيين من الاعتناء الدال على التفخيم ما لا يخفى.
(وَإِسْماعِيلُ) عطف على (إِبْراهِيمُ) ، وفي تأخيره عن المفعول المتأخر عنه رتبة إشارة إلى أن مدخليته في رفع البناء ، والعمل دون مدخلية إبراهيم عليهالسلام ، وقد ورد أنه كان يناوله الحجارة ، وقيل : كانا يبنيان في طرفين أو على التناوب ، وأبعد بعضهم فزعم أن (إِسْماعِيلُ) مبتدأ وخبره محذوف أي يقول : ربنا ، وهذا ميل إلى القول بأن إبراهيم عليهالسلام هو المتفرد بالبناء ولا مدخلية لإسماعيل فيه أصلا بناء على ما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان إذ ذاك طفلا صغيرا ، والصحيح أن الأثر غير صحيح ، هذا وقد ذكر أهل الأخبار في ماهية هذا البيت وقدمه وحدوثه ، ومن أي شيء كان باباه ، وكم مرة حجه آدم ، ومن أي شيء بناه إبراهيم ، ومن ساعده على بنائه ، ومن أين أتي بالحجر الأسود؟؟؟ أشياء لم يتضمنها القرآن العظيم ، ولا الحديث الصحيح ، وبعضها يناقض بعضا ، وذلك على عادتهم في نقل ما دب ودرج ، ومن مشهور ذلك أن الكعبة أنزلت من السماء في زمان آدم ، ولها بابان إلى المشرق والمغرب فحج آدم من أرض الهند واستقبلته الملائكة أربعين فرسخا فطاف بالبيت ودخله ثم رفعت في زمن طوفان نوح عليهالسلام إلى السماء ثم أنزلت مرة أخرى في زمن إبراهيم فزارها. ورفع قواعدها وجعل بأبيها بابا واحدا ثم تمخض أبو قبيس فانشق عن الحجر الأسود ، وكان ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة نزل بها جبريل فخبئت في زمان الطوفان إلى زمن إبراهيم فوضعه إبراهيم مكانه ثم اسود بملامسة النساء الحيض ، وهذا الخبر وأمثاله إن صح ـ عند أهل الله تعالى ـ إشارات ورموز لمن (أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧] فنزولها في زمن آدم عليهالسلام إشارة إلى ظهور عالم المبدأ والمعاد ومعرفة عالم النور وعالم الظلمة في زمانه دون عالم التوحيد ، وقصده زيارتها من أرض الهند إشارة إلى توجهه بالتكوين ، والاعتدال من عالم الطبيعة الجسمانية المظلمة إلى مقام القلب ، واستقبال الملائكة إشارة إلى تعلق القوى النباتية والحيوانية بالبدن وظهور آثارها فيه قبل آثار القلب في الأربعين التي تكونت فيها بنيته وتخمرت طينته أو توجهه بالسير والسلوك من عالم النفس الظلماني إلى مقام القلب ، واستقبال الملائكة تلقي القوى النفسانية والبدنية إياه بقبول الآداب والأخلاق الجميلة ، والملكات الفاضلة ، والتمرن والتنقل في المقامات قبل وصوله إلى مقام القلب ، وطوافه بالبيت إشارة إلى وصوله إلى مقام القلب وسلوكه فيه مع التلوين ، ودخوله إشارة إلى تمكينه واستقامته فيه ، ورفعه في زمن الطوفان إلى السماء إشارة إلى احتجاب الناس بغلبة الهوى وطوفان الجهل في زمن نوح عن مقام القلب ، وبقاؤه في السماء إشارة إلى البيت المعمور الذي هو قلب العالم ونزوله مرة أخرى في زمان إبراهيم إشارة إلى اهتداء الناس في زمانه إلى مقام القلب بهدايته ، ورفع إبراهيم قواعده وجعله ذا باب واحد إشارة إلى ترقي القلب إلى مقام التوحيد إذ هو أول من أظهر التوحيد الذاتي المشار إليه بقوله تعالى حكاية عنه : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الإنعام : ٧٩] والحجر الأسود إشارة إلى الروح التي هي أمر الله عز شأنه ويمينه ، وموضع سره ، وتمخض أبي قبيس وانشقاقه عنه إشارة إلى ظهوره بالرياضة وتحرك آلات البدن باستعمالها في التفكر والتعبد في طلب ظهوره ، ولهذا قيل : خبئت أي احتجبت بالبدن ، واسوداده بملامسة الحيض إشارة إلى تكدره بغلبة القوى النفسانية على القلب ، واستيلائها عليه ، وتسويدها الوجه النوراني الذي يلي الروح منه. ولو ترك القطا ليلا لناما (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) أي يقولان (رَبَّنا) وبه قرأ أبيّ والجملة حال من فاعل (يَرْفَعُ) وقيل : معطوفة على ما قبله بجعل القول متعلقا ل (إِذْ) والتقبل مجاز عن الإثابة والرضا لأن كل عمل يقبله الله تعالى فهو يثيب صاحبه ويرضاه منه ، وفي سؤال الثواب على العمل دليل على أن ترتبه عليه ليس واجبا ، وإلا لم يطلب ، وفي اختيار صيغة التفعل اعتراف بالقصور