لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) [الحج : ٣١] فهو حال من المضاف إليه لا من المضاف إلا أن يقدر ـ وما كان دين المشركين ـ وهو تكلف ، والمقصود التعريض بأهل الكتاب والعرب الذين يدعون اتباعه ويدينون بشرائع مخصوصة به من حج البيت والختان وغيرهما فإن في كل طائفة منهم شركاء فاليهود قالوا ـ عزير ابن الله ـ والنصارى ـ المسيح ابن الله ـ والعرب عبدوا الأصنام وقالوا الملائكة بنات الله (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) خطاب للمؤمنين لا للكافرين ـ كما قيل ـ لما فيه من الكلف والتكلف وبيان للاتباع المأمور به فهو بمنزلة بدل البعض من قوله سبحانه : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) لأن الاتباع يشمل الاعتقاد والعمل وهذا بيان الاعتقاد أو بدل الاشتمال لما فيه من التفصيل الذي ليس في الأول ، وقيل : استئناف كأنهم سألوا كيف الاتباع؟ فأجيبوا ، بذلك وأمر أولا بصيغة الإفراد ، وثانيا بصيغة الجمع إشارة إلى أنه يكفي في الجواب قول الرسول صلىاللهعليهوسلم من جانب كل المؤمنين بخلاف الاتباع فإنه لا بد فيه من قول كل واحد لأنه شرط الإيمان أو شطره قاله بعض المحققين ، والقول بأنه بمنزلة البيان والتأكيد للقول الأول ـ ولذا ترك العطف ـ لا يخلو عن شيء وقدم الإيمان بالله سبحانه لأنه أول الواجبات ولأنه بتقدم معرفته تصح معرفة النبوات والشرعيات.
(وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) أي القرآن وهو وإن كان في الترتيب النزولي مؤخرا عن غيره لكنه في الترتيب الإيماني مقدم عليه لأنه سبب الإيمان بغيره لكونه مصدقا له ولذا قدمه.
(وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) يعني الصحف وهي وإن نزلت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكن لما كان ما عطف عليه متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها صح نسبة نزولها إليهم أيضا كما صحح تعبدنا بتفاصيل القرآن ودخولنا تحت أحكامه نسبة نزوله إلينا ، و (الْأَسْباطِ) جمع سبط كأحمال وحمل وهم أولاد إسرائيل ، وقيل : هم أولاد إسحاق كالقبائل في أولاد إسماعيل مأخوذ من السبط وهو شجرة كثيرة الأغصان فكأنهم سموا بذلك لكثرتهم ، وقيل : من السبوطة وهي الاسترسال ، وقيل : إنه مقلوب البسط ، وقيل : للحسنين سبطا رسول الله صلىاللهعليهوسلم لانتشار ذريتهم ثم قيل لكل ابن بنت : سبط ، وكذا قيل له : حفيد أيضا ، واختلف الناس في الأسباط أولاد يعقوب هل كانوا كلهم أنبياء أم لا؟ والذي صح عندي الثاني وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه ـ وإليه ذهب الإمام السيوطي ـ وألف فيه لأن ما وقع منهم مع يوسف عليه الصلاة والسلام ينافي النبوة قطعا وكونه قبل البلوغ غير مسلم لأن فيه أفعالا لا يقدر عليها إلا البالغون ، وعلى تقدير التسليم لا يجدي نفعا على ما هو القول الصحيح في شأن الأنبياء وكم كبيرة تضمن ذلك الفعل وليس في القرآن ما يدل على نبوتهم ، والآية قد علمت ما ذكرنا فيها فاحفظ ذلك هديت.
(وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى) أي التوراة والإنجيل ، ولكون أهل الكتاب زادوا ونقصوا وحرفوا فيهما وادعوا أنهما أنزلا كذلك ، والمؤمنون ينكرونه اهتم بشأنهما فأفردهما بالذكر وبين طريق الإيمان بهما ولم يدرجهما في الموصول السابق ، ولأن أمرهما أيضا بالنسبة إلى (مُوسى وَعِيسى) أنهما منزلان عليهما حقيقة ، لا باعتبار التعبد فقط كما في المنزل على (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) ولم يعد الموصول لذلك في (عِيسى) لعدم مخالفة شريعته لشريعة (مُوسى) إلا في النزر ، ولذلك الاهتمام عبر ـ بالإيتاء ـ دون ـ الإنزال ـ لأنه أبلغ لكونه المقصود منه ، ولما فيه من الدلالة على الإعطاء الذي فيه شبه التمليك والتفويض ، ولهذا يقال : أنزلت الدلو في البئر ، ولا تقول : آتيتها إياها. ولك أن تقول : المراد بالموصول هنا ما هو أعم من التوراة والإنجيل وسائر المعجزات الظاهرة بأيدي هذين النبيين الجليلين حسبما فصل في التنزيل الجليل ، وإيثار ـ الإيتاء ـ لهذا التعميم ، وتخصيص النبيين بالذكر لما أن الكلام مع ـ اليهود والنصارى ..