صيام شهر رمضان ، وما تخلل بينهما من الفصل متعلق ب (كُتِبَ) لفظا أو معنى فليس بأجنبي مطلقا ، وإن اعتبرته بدل اشتمال استغنيت عن التقدير ، إلا أن كون الحكم السابق ـ وهو فرضية الصوم ـ مقصودا بالذات ، وعدم كون ذكر المبدل منه مشوقا إلى ذكر البدل يبعد ذلك ، وقرئ شهر بالنصب على أنه مفعول ل «صوموا» محذوفا ؛ وقيل إنه مفعول (وَأَنْ تَصُومُوا) وفيه لزوم الفصل بين أجزاء المصدرية بالخبر ، وجوز أن يكون مفعول (تَعْلَمُونَ) بتقدير مضاف ـ أي شرف شهر رمضان ونحوه ـ وقيل : لا حاجة إلى التقدير. والمراد (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) نفس الشهر ولا تشكون فيه ، وفيه إيذان بأن الصوم لا ينبغي مع الشك ـ وليس بشيء كما لا يخفى ـ والشهر المدة المعينة التي ابتداؤها رؤية الهلال ، ويجمع في القلة على أشهر ، وفي الكثرة على شهور ، وأصله من شهر الشيء أظهره ، وهو ـ لكونه ميقاتا للعبادات والمعاملات ـ صار مشهورا بين الناس ، و «رمضان» مصدر رمض ـ بكسر العين ـ إذا احترق ، وفي شمس العلوم من المصادر التي يشترك فيها الأفعال فعلان ـ بفتح الفاء والعين ـ وأكثر ما يجيء بمعنى المجيء والذهاب والاضطراب ـ كالخفقان والعسلان واللمعان ـ وقد جاء لغير المجيء والذهاب كما في ـ شنأته شنآنا إذا بغضته ـ فما في البحر من أن كونه مصدرا يحتاج إلى نقل ـ فإن فعلانا ليس مصدر فعل اللازم ـ فإن جاء شيء منه كان شاذا ، فالأولى أن يكون مرتجلا لا منقولا ناشئ عن قلة الاطلاع ، والخليل يقول : إنه من الرمض ـ مسكن الميم ـ وهو مطر يأتي قبل الخريف يطهر وجه الأرض عن الغبار ، وقد جعل مجموع المضاف والمضاف إليه علما للشهر المعلوم ، ولو لا ذلك لم يحسن إضافة (شَهْرُ) إليه كما لا يحسن ـ إنسان زيد ـ وإنما تصح إضافة العام إلى الخاص إذا اشتهر كون الخاص من أفراده ، ولهذا لم يسمع شهر رجب وشهر شعبان ، وبالجملة فقد أطبقوا على أن العلم في ثلاثة أشهر مجموع المضاف والمضاف إليه شهر رمضان ، وشهر ربيع الأول وشهر ربيع الثاني ، وفي البواقي لا يضاف شهر إليه ، وقد نظم ذلك بعضهم فقال :
ولا تضف شهرا إلى اسم شهر |
|
إلا لما أوله ـ الرا ـ فادر |
واستثن منها رجبا فيمتنع |
|
لأنه فيما رووه ما سمع |
ثم في الإضافة يعتبر في أسباب منع الصرف وامتناع ـ اللام ـ ووجوبها حال المضاف إليه فيمتنع في مثل (شَهْرُ رَمَضانَ) وابن داية من الصرف ودخول ـ اللام ـ وينصرف في مثل شهر ربيع الأول ـ وابن عباس ـ ويجب ـ اللام ـ في مثل ـ امرئ القيس ـ لأنه وقع جزءا حال تحليته باللام ، ويجوز في مثل ـ ابن عباس ـ أما دخوله فللمح الأصل ، وأما عدمه فلتجرده في الأصل ، وعلى هذا فنحو من صام رمضان من حذف جزء العلم لعدم الإلباس ـ كذا قيل ـ وفيه بحث ـ أما أولا فلأن إضافة العام إلى الخاص مرجعها إلى الذوق ، ولهذا تحسن تارة كشجر الأراك ، وتقبح أخرى ـ كإنسان زيد ـ وقبحها في (شَهْرُ رَمَضانَ) لا يعرفه إلا من تغير ذوقه من أثر الصوم ، وأما ثانيا فإن قولهم : لم يسمع شهر رجب إلخ مما سمع بين المتأخرين ـ ولا أصل له ـ ففي شرح التسهيل جواز إضافة (شَهْرُ) إلى جميع أسماء الشهور وهو قول أكثر النحويين ـ فادعاء الاطباق غير مطبق عليه ، ومنشأ غلط المتأخرين ما في ـ أدب الكاتب ـ من أنه اصطلاح الكتاب ، قال : لأنهم لما وضعوا التاريخ في زمن عمر رضي الله تعالى عنه وجعلوا أول السنة المحرم ، فكانوا لا يكتبون في تواريخهم شهرا إلا مع رمضان والربيعين ، فهو أمر اصطلاحي ـ لا وضعي لغوي ـ ووجهه في (رَمَضانَ) موافقة القرآن وفي ربيع الفصل عن الفصل ، ولذا صحح سيبويه جواز إضافة الشهر إلى جميع أسماء الشهور ، وفرق بين ذكره وعدمه بأنه حيث ذكر لم يفد العموم ـ وحيث حذف أفاده ـ وعليه يظهر الفرق بين ـ إنسان زيد ـ و (شَهْرُ رَمَضانَ) ولا يغم هلال ذلك. وأما ثالثا فلأن قوله : ثم في الإضافة إلخ ، مما صرح النحاة بخلافه ، فإن ـ ابن داية ـ سمع منه وصرفه كقوله :