يلزم على هذا الوجه أن يكون (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) عطفا على (يُرِيدُ) إذ لا معنى لقولنا يريد لعلكم تشكرون ، وحينئذ يحصل التفكيك بين المتعاطفات وهو بعيد ، ولاستلزام هذا الوجه ذلك وكثرة الحذف في بعض الوجوه السابقة وخفاء بعضها عدل بعضهم عن الجميع ، وجعل الكلام من الميل مع المعنى لأن ما قبله علة للترخيص فكأنه قيل : رخص لكم في ذلك لإرادته بكم اليسر دون ولتكملوا إلخ ، ولا يخفى عليك ما هو الأليق بشأن الكتاب العظيم ، والمراد من التكبير الحمد والثناء مجازا لكونه فردا منه ولذلك عدي بعلى ، واعتبار التضمين أي لتكبروا حامدين ليس بمعتبر لأن الحمد نفس التكبير ولكونه على هذا عبادة قولية ناسب أن يعلل به الأمر بالقضاء الذي هو نعمة قولية أيضا ، وأخرج ابن المنذر وغيره عن زيد بن أسلم أن المراد به التكبير يوم العيد ، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه التكبير عند الإهلال ، وأخرج ابن جرير عنه أنه قال : حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله تعالى حتى يفرغوا من عيدهم لأن الله تعالى يقول : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ) وعلى هذين القولين لا يلائم تعليل الأحكام السابقة ، و (ما) يحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون موصولة أي الذي هداكموه أو هداكم إليه ، والمراد من الشكر ما هو أعم من الثناء ولذا ناسب أن يجعل طلبه تعليلا للترخيص الذي هو نعمة فعلية. وقرأ أبو بكر عن عاصم (وَلِتُكْمِلُوا) بالتشديد (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي) في تلوين الخطاب مع توجيهه لسيد ذوي الألباب عليه الصلاة والسلام ، ما لا يخفى من التشريف ورفع المحل (عَنِّي) أي عن قربي وبعدي إذ ليس السؤال عن ذاته تعالى (فَإِنِّي قَرِيبٌ) أي فقل لهم ذلك بأن تخبر عن القرب بأي طريق كان ، ولا بد من التقدير إذ بدونه لا يترتب على الشرط ، ولم يصرح بالمقدر كما في أمثاله للإشارة إلى أنه تعالى تكفل جوابهم ولم يكلهم إلى رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم تنبيها على كمال لطفه ، والقرب حقيقة في القرب المكاني المنزه عنه تعالى فهو استعارة لعلمه تعالى بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على سائر أحوالهم ، وأخرج سفيان بن عيينة ، وعبد الله بن أحمد عن أبي قال : قال المسلمون يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله الآية (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) دليل للقرب وتقرير له فالقطع لكمال الاتصال ، وفيه وعد الداعي بالإجابة في الجملة على ما تشير إليه كلمة (إِذا) لا كليا فلا حاجة إلى التقييد بالمشيئة المؤذن به قوله تعالى في آية أخرى : (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ) [الإنعام : ٤١] لا إلى أن القول بأن إجابة الدعوة غير قضاء الحاجة لأنها قوله سبحانه وتعالى لبيك يا عبدي وهو موعود موجود لكل مؤمن يدعو ولا إلى تخصيص الدعوة بما ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم ، أو الداعي بالمطيع المخبت. نعم كونه كذلك أزجي للإجابة لا سيما في الأزمنة المخصوصة والأمكنة المعلومة ، والكيفية المشهورة ، ومع هذا قد تتخلف الإجابة مطلقا وقد تتخلف إلى بدل ، ففي الصحيح عن أبي سعيد قال : «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله تبارك وتعالى إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له وإما أن يكف عنه من السوء مثلها» وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) أي فليطلبوا إجابتي لهم إذا دعوني أو فليجيبوا لي إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم ، واستجاب وأجاب واحد ومعناه قطع مسألته بتبليغه مراده من الجواب بمعنى القطع ، وهذا ما عليه أكثر المفسرين ولا يغني عنه (وَلْيُؤْمِنُوا بِي) لأنه أمر بالثبات والمداومة على الإيمان (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) أي يهتدون لمصالح دينهم ودنياهم ، وأصل الباب إصابة الخير ، وقرئ بفتح الشين وكسرها ، ولما أمرهم سبحانه وتعالى بصوم الشهر ومراعاة العدة وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر عقبه بهذه الآية الدالة على أنه تعالى خبير بأفعالهم سميع لأقوالهم مجازيهم على أعمالهم تأكيدا له وحثا عليه ، أو أنه لما نسخ الأحكام في الصوم ذكر هذه الآية الدالة على كمال علمه بحال العباد وكمال قدرته عليهم ونهاية لطفه بهم في أثناء نسخ الأحكام تمكينا لهم في الإيمان ، وتقريرا لهم على الاستجابة لأن مقام النسخ من مظان الوسوسة