والتزلزل ، فالجملة على التقديرين اعتراضية بين كلامين متصلين معنى ، أحدهما ما تقدم ، والثاني قوله سبحانه وتعالى :
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) أخرج أحمد وجماعة عن كعب بن مالك قال : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من عند النبي صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة وقد سمر عنده ، فوجد امرأته قد نامت فأيقظها وأرادها فقالت : إني قد نمت فقال : ما نمت ، ثم وقع بها ، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره فنزلت. وفي رواية ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله ثم أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أعتذر إلى الله تعالى وإليك من نفسي هذه الخاطئة فإنها زينت لي فواقعت أهلي هل تجد لي من رخصة؟ قال : لم تكن حقيقا بذلك يا عمر فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن وأمر الله تعالى رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة فقال : (أُحِلَّ لَكُمْ) إلخ ـ وليلة الصيام ـ الليلة التي يصبح منها صائما فالإضافة لأدنى ملابسة ، والمراد بها الجنس وناصبها ـ الرفث ـ المذكور أو المحذوف الدال هو عليه بناء على أن المصدر لا يعمل متقدما ، وجوز أن يكون ظرفا ـ لأحل ـ لأن إحلال الرفث في ليلة الصيام وإحلال الرفث الذي فيها متلازمان ، و (الرَّفَثُ) من رفث في كلامه وأرفث وترفث أفحش وأفصح بما يكنى عنه ، والمراد به هنا الجماع لأنه لا يكاد يخلو من الإفصاح ، وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أنشد وهو محرم :
وهن يمشين بنا هميسا |
|
إن صدق الطير ننك لميسا |
فقيل له : أرفثت؟ فقال : إنما الرفث ما كان عند النساء ، فالرفث فيه يحتمل أن يكون قولا وأن يكون فعلا ، والأصل فيه أن يتعدى ـ بالباء ـ وعدي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء ولم يجعل من أول الأمر كناية عنه لأن المقصود هو الجماع فقصرت المسافة ، وإيثاره هاهنا على ما كني به عنه في جميع القرآن من التغشية والمباشرة واللمس والدخول ونحوها استقباحا لما وجد منهم قبل الإباحة ، ولذا سماه اختيانا فيما بعد ، والنساء جمع نسوة فهو جمع الجمع أو جمع امرأة على غير اللفظ وإضافتها إلى ضمير المخاطبين للاختصاص إذ لا يحل الإفضاء إلا لمن اختص بالمفضي إما بتزويج أو ملك ، وقرأ عبد الله ـ الرفوث ـ (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) أي هن سكن لكم وأنتم سكن لهن قاله ابن عباس حين سأله نافع بن الأزرق وأنشد رضي الله تعالى عنهما لما قال له هل تعرف العرب ذلك؟ قول الذبياني :
إذا ما الضجيع ثنى عطفه |
|
تثنت عليه فكانت «لباسا» |
ولما كان الرجل والمرأة يتعانقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه كل واحد بالنظر إلى صاحبه باللباس أو لأن كل واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور ، وقد جاء في الخبر «من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه» والجملتان مستأنفتان استئنافا نحويا والبياني يأباه الذوق ، ومضمونهما بيان لسبب الحكم السابق وهو قلة الصبر عنهن كما يستفاد من الأولى ، وصعوبة اجتنابهن كما تفيده الثانية ـ ولظهور احتياج الرجل إليهن وقلة صبره ـ قدم الأولى ، وفي الخبر «لا خير في النساء ولا صبر عنهن يغلبن كريما ويغلبهن لئيم وأحب أن أكون كريما مغلوبا ولا أحب أن أكون لئيما غالبا» (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) جملة معترضة بين قوله تعالى : (أُحِلَ) إلخ وبين ما يتعلق به أعني (فَالْآنَ) إلخ لبيان حالهم بالنسبة إلى ما فرط منهم قبل الإحلال ، ومعنى (عَلِمَ) تعلق علمه ، و ـ الاختيان ـ تحرك